د. كريمة الشوملي: معرض «سحّارة: زينة مكنونة »، القيّمة الفنية: سيما عزام، مركز مرايا للفنون،( 2022.10.10 - 2023.02.13 ).

الإرث الثقافي والمخزون الحضاري
في أعمال الفنانة كريمة الشوملي

ان ما يلفت النظر في تجارب كريمة الشوملي الفنية، هو إصرارها على التمسك بالهوية واستلهام الموروث الشعبي الإماراتي، وقد وضعت لنفسها منذ البداية شرط الإضافة وإعادة صياغة التراث بحلة جديدة تواكب المستجدات الفنية المعاصرة.

تختلف الرؤية إلى الحداثة وما بعدها بناءً على اعتبارات ثقافية واجتماعية وأيكولوجية لدى الفنان بالدرجة الاولى وليس لمقومات النوع والصفات، حيث ان الحداثة تنص على مغادرة اعتبارات المنظومة الموروثة أو الانطلاق منها والنظر نحو القادم، أي إضافة الجهد المعاصر إلى التراث وبناء رؤية جديدة ومفاهيم خاصة. إن العلاقة بين ارتباط الفنان بموروثه الثقافي وقدرته على استيعاب مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة بزاوية أشمل وأكثر انفتاحاً ترتبط باحتكاكه واطلاعه على الثقافات والحضارات الأخرى، ودراسة جميع الاتجاهات والمدارس الفكرية والفنية التي أنتجتها فنون الحداثة وما بعد الحداثة لمواكبة الحركة الفنية العالمية.

وهذا ما سعت اليه كريمة الشوملي مما أدى الى اتساع إدراكها للمفاهيم الفن الجمالية المعاصرة، واتاح لها القدرة على تشكيل رؤيتها الخاصة. تعتمد كريمة في تقديم اعمالها الفنية على إقامة حوار مع المتلقي ، إما بطريقة مباشرة حين تكون هي العنصر الأساسي، حيث نجد ذلك في عمل أدائي لها أو من خلال فيديو أو عمل فني تفاعلي، كأن تدعو المشاهد إلى الرسم على وجهها مباشرة، وأحيانا أخرى تسعى لتقديم أعمال تحتوي على رموز وإيحاءات مبهمة من أجل خلق نوع من الألغاز والغموض والتشويق تدعو المتلقي الى إقامة حوار وفك الرموز والسعي وراء المفهوم غير مباشر والذي غالباً ما يكون أعمق وأكثر تأثيراً لديه. (1)
تقول كريمة : “أعمالي الفنية تمس النواحي اللإنسانية والمتغيرات التي تعصف بالكائن البشر، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فالإنسان هو محور المجتمع وهو الصانع والمسبب الرئيسي لهذه المتغيرات سواء كانت إيجابية أو سلبية”.(2)

التراث والمعاصرة

د. كريمــة الشــوملي: «الســحّ ارة»، صنــدوق خشــبي مزخــرف بإتقــان يســمى أيضــاً «المنــدوس»، وهــو قطعــة تقليديــة اعتــادت النســاء مــن مختلــف الثقافــات اســتخدامها لجمــع وتخزيــن الملابــس والمجوهــرات وغيرهــا مــن المســتلزمات الشــخصية.

تعتمد كريمة الشوملي في تنفيذ أعمالها على أساليب وفنون ما بعد الحداثة، كالتجهيز والتركيب والفن المفاهيمي ، حيث وجدت نفسها كفنانة بإمكانها تجسيد كل ما يدور في ذهنها وخيالها، بالنسبة لها مفهوم العمل هو الأساس ويأتي بعده الأسلوب والتقنية وطرق التنفيذ.
ولأن الموروث الثقافي المتأصل لا يمكن لنا أن نستبدله بسهولة، لذلك وجدت كريمة نفسها أمام عملية مزج بين الموروث القديم والاتجاهات الفنية الجديدة مما أدى الى تغليف أعمالها تحت شعار إحياء التراث أو استلهام التراث وتقديمه بأسلوب معاصر. أعمالها أشبه بمرآة تعكس واقعها الذي شهد تحولات وتطورات طارئة في المجتمع و تتضمن لوحاتها رموزاً مستوحاة من الإرث الثقافي والمخزون الحضاري والموروث الفني الشعبي والواقع الاجتماعي لدولة الإمارات.

البرقع الإماراتي

وفي عام 2018، اقامت كريمة معرض “البرقع الإماراتي” في متحف الشارقة للتراث، قدمت خلاله أنماطاً بصرية وأساليب فنية عدة، متمثلة بمجموعة من الصور الفوتوغرافية والأفلام واللوحات إلى جانب الأقمشة والمواد التي يصنع منها البرقع، والأساليب المتعددة لارتدائه. وتشير كريمة إلى أن أهمية المعرض تكمن في محاولة توثيق ورصد تاريخ البرقع، قبل أن يؤل إلى الاندثار في خضم التحولات الاجتماعية والثقافية في الإمارات.
وقد عرفت كريمة الشوملي بتقديم أعمال فنية تعكس رؤية بصرية معاصرة للبرقع الإماراتي. باعتباره واحداً من أبرز المكونات التراثية المهمة في الإمارات، ويعتبر البرقع مصدر إلهام للعديد من الفنانين، وقد شكل عند البعض مادة أساسية وموضوعاً رئيسياً في أعمالهم الفنية.

د.كريمــة الشــوملي: معــرض «ســحّ ارة: زينــة مكنونــة» بــإذن مــن مركــز مرايــا للفنــون، 2022.

تشير كريمة إلى أن ارتداء البرقع ناتج عن عادة اجتماعية تقليدية، لا تنطلق من مفهوم ديني بل من ثقافة شعبية، ويعتبر البرقع جزءاً من اللباس التقليدي اليومي للنساء الإماراتيات، وهو يعبر عن هويتها الاجتماعية والجمالية، لكن استخدامه أصبح نادراً ومقتصراً على كبيرات السن والمناسبات الرسمية والاحتفالات، نتيجة للتغييرات والتحولات الثقافية والاجتماعية التي شهدها المجتمع الإماراتي. وتشير كريمة الشوملي الى ولعها بالبرقع الذي كانت ترتديه جدتها، فهو منطبع في ذكريات طفولتها. وقد كان مفهوم البرقع قديماً هو الحشمة والستر إلى جانب الحماية من الظروف المناخية. وللبرقع طقوس وعادات في الثقافة الشعبية الإماراتية، فعلى سبيل المثال يختلف حجم البرقع باختلاف عمر من ترتديه وباختلاف المناطق، واختلاف المناسبة ايضاً، فبرقع ليلة الزفاف يتميز عن غيره وهو مشغول بالذهب ويسمى (البرقع الرّيسي). (3)

في عملها “شيء من قصصهم”، والذي عرض ضمن المعرض السنوي 37 لجمعية الامارات للفنون التشكيلية في متحف الشارقة 2021، تسلط الضوء د. كريمة الشوملي على تجارب بعض النساء الاماراتيات مع البرقع، وتروي لنا بعض من قصصهم التي تعكس العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، تقول “السيدة مريم التي أجبرت على ارتداء البرقع في ليلة زفافها بالرغم من رفضها وبكائها، وكذلك عائشة التي مزقت وأتلفت الكثير من البراقع رافضة لبسها الى ان تم اقناعها بأن زوجها سوف يعطيها مبلغ من المال عندما يخلع عنها البرقع والذي لأول مرة في حياته يشاهدها، وحكاية السيدة طريفة التي قلدت والدتها بلبس البرقع وهي صغيرة وعندما بلغت الخامسة عشر لبسته دون معرفة كيف تربطه…” (4)

ســحّ ارة :

ويعتبر معرضها الحالي في مركز ماريا للفنون بمنزلة استمرارية لأبحاثها النظرية والفنية والتطبيقية حول البرقع، وهي تحيلنا الى عنصر “السحّارة”، وهو كناية عن صندوق خشبي غالباً ما يتم زخرفته، وتستخدمه النساء في بعض الثقافات لجمع وتخزين الملابس والمجوهرات وغيرها من المستلزمات الشخصية، تحدثنا الفنانة كريمة الشوملي عن معرضها قائلة: “”يحتفي هذا المعرض بالمرأة كرمز ثقافي مهم للجمهور، ويسلط الضوء على أهميتها كفرد في المجتمع، ويستكشف تجاربها الشخصية المتضمنة بأسلوبها الخاص في الملابس والإكسسوارات والعادات الثقافية. يولي المعرض أهميةً خاصة لمكنونات المرأة الداخلية، ويعكس ذكرياتي برؤية معاصرة من خلال الأعمال التي تثير مشاعر الحنين إلى الماضي عندما كانت النساء ترتدين قطع زينة تعكس جمالهنَّ الداخلي.”
الجدير بالذكر ان الفنانة كريمة الشوملي (مواليد إمارة الشارقة) حاصلة على دكتوراه من جامعة كنجستون في بريطانيا، وقد حملت أطروحتها عنوان “البرقع الإماراتي من زاوية تشكيلية ثقافية”، وقد أنجزت الشوملي خلال دراستها أرشيفاً متكاملاً لأشكال البرقع والمواد المستخدمة في صنعه من قماش وغيرها، فقامت برسم وتوصيف أشكال البرقع وتعريفه، وألقت الضوء على أنواعه والتي تختلف من إمارة لأخرى، ويعتبر الأرشيف مرجعاً مهماً للباحثين عن الموروث الثقافي الشعبي وتراث الإمارات. تكمن أهمية دراسة كريمة عن البرقع، في استطاعتها توظيف كل مفرداته وأبعاده الإنسانية والاجتماعية وإحالته إلى عمل فني قائم على الإبداع والتجدد.

د.كريمــة الشــوملي: «أيلــق (يلمــع، يبــرق)»، تشــكيلات ذهبيــة كبيــرة ترمــز إلــى المجوهــرات التقليديــة والتراثيــة للمــرأة الإماراتيــة، تشــمل القطــع: قــرط الأذن، ومشــبك الشــعر، وتعليقــة القــلادات، والسلاســل الذهبيــة، وخاتــم، وســوار لليــد، معــرض «ســحّ ارة: زينــة مكنونــة»، مركــز مرايــا للفنــون، 2022.

المراجع

1. من كتاب “ذاكرة وفن: الحركة الفنية في دولة الإمارات من التأسيس إلى المعاصرة”، للباحثة الدكتورة نهى فران.
2. كريمة الشوملي: “غير مرئي”، كتالوغ “الأقنعة”، الشارقة ٢٠١٢.

3. من كتاب “ذاكرة وفن: الحركة الفنية في دولة الإمارات من التأسيس إلى المعاصرة”، للباحثة الدكتورة نهى فران.
4. كريمة الشوملي: “شيء من قصصهم”، كتالوغ المعرض السنوي 37 لجمعية الامارات للفنون التشكيلية، متحف الشارقة، 2021

رئيسة التحرير

المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة "التفكير فنياً" للنشر والثقافة والتعليم، مؤرخة وأكاديمية، ناشرة، باحثة وقيّمة فنية، فنانة بصرية، ورئيسة تحرير مجلة "التشكيل". تمتلك سجلًا حافلًا بالإنجازات الأكاديمية والفنية والثقافية، حيث تميزت بإسهاماتها الثرية في مجالات الفنون البصرية، التعليم العالي، النشر، والتوثيق الثقافي.
حاصلة على درجة دكتوراه دولة بامتياز في "الفن وعلوم الفن"، وماجستير في الفنون البصرية وتقنيات الفن، وماجستير في الفلسفة وتاريخ الفن، بالإضافة إلى شهادة ليسانس في هندسة وعلوم المواد.
نشرت العديد من الكتب التي توثق الحركة الفنية والثقافية في العالم العربي، باللغتين العربية والإنكليزية، ومن أبرز أعمالها "الفن العربي بين الحداثة وما بعد الحداثة"، "التراث والحداثة والفن في عيون لبنانية"، "تطور الحركة الثقافية في الإمارات"، "التراث والإبداع"، و"عوامل نجاح الاقتصاد الإبداعي". كما أصدرت موسوعتين هما "فن وتراث وهوية" و"ذاكرة وفن"، حيث توثق الأخيرة بواكير الحركة الثقافية في دولة الإمارات بمختلف مراحلها والجوانب التي واكبت نشأة الحراك التعليمي والفني.
عملت في مجال التعليم الجامعي كأستاذة جامعية ورئيسة قسم الفن والتصميم، وأسهمت في تطوير المناهج وتنسيق البرامج التعليمية، مركزة على الجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية للفنون. أقامت وشاركت في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية، وشاركت في لجان تحكيم محلية ودولية لتقييم الأعمال الفنية والجوائز، وفي العديد من المؤتمرات الثقافية، وأسهمت بتقييم المعارض الفنية، وتنظيم الفعاليات الثقافية.
حصلت على شهادة تقدير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، تقديرًا لجهودها في البحث والتوثيق، وتم تكريمها كواحدة من أبرز 100 شخصية فكرية وأدبية وتاريخية ضمن موسوعة "منذ قدموس، نحن بناة حضارة"، دراسة أكاديمية معلوماتية. كما نالت تكريمًا على جهودها التطوعية ودعمها لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية وخدمة الفن والثقافة في دولة الإمارات.
بفضل خلفيتها الأكاديمية وتجاربها الموثقة، تسعى الدكتورة نهى هلال فران إلى توثيق الإرث الثقافي والفني العربي ليكون مرجعًا للأجيال القادمة، مع تركيزها الدائم على دعم المشهد الفني في الإمارات من خلال جهودها التطوعية ومبادراتها الثقافية.

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.