سووي تشو أوه: “تحول النرجس”، 130x130 سم. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

المهرجان الدولي للتصوير
“اكسبوجر”
بين المرئي وغير المرئي

انحاز المهرجان الدولي للتصوير “اكسبوجر” في نسخته السابعة، والتي أقيمت في مركز أكسبو الشارقة في النصف الأول من شهر فبراير الماضي لصور الفضاء والحياة البرية والصورة الرياضية والصور الشخصية، وصور العمائر والمدن، إضافة للصور التي تقص تاريخ الإنسان وأحلامه وألعابه ومعاناته ومشاهد حياته اليومية عبر جغرافيا الوجود لتفصح الصورة عن المرئيات المدهشة أحياناً، و في أحيان أخرى تتوارى خلف السرد الضوئي المستغلق الجامح نحو وجوده الفني الخالص، حيث أمكن للعين المصورة الذكية أن تبني المشهد وتقتنص المعنى وتخلد الحدث، كما أمكنها أن تؤلف الفكرة وتغامر في كل مكان بعبورها لكل العقبات والمصاعب في السبيل لتحقيق مآلها ومبتغاها التصويري الشاهد والمؤرخ لوجود البشر وسائر الكائنات الحية والأشياء الكثيرة الملهمة القائمة في كل بقعة من بقاع الأرض وخلال الكون المحيط على امتداده.
وبهذه الدورة الرصينة والاستثنائية يرسخ هذا المهرجان العالمي للتصوير الفوتوغرافي، الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة لوجوده الإبداعي كأحد أبرز الفعاليات العالمية الكبرى المختصة بالتصوير الفوتوغرافي، لا من حيث العرض المبهر فقط، ولكن من حيث الرسائل المعمقة والفلسفات والأفكار والرؤى المطروحة الصادرة عن وعي متقد مشغول بالصورة ومآلها وتفوق صناعتها في عصر التكنولوجيات المستقبلية التي لا تقف عند حدود كوكب ما أو حتى فضاء شاسع.

سهيل أ: “مباراة الكمان المثالية”، 90×60 سم، 2017. . بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

لقد جمع المهرجان تحت مظلته 74 مصوراً ومغامراً عالمياً عرضوا 1794 صورة خلال 68 معرضاً فردياً وجماعياً، من بينها معارض تقارب جماليات التشكيل الفني في أبعاده المفاهيمية والسريالية والتجريدية أيضاً، إلى جانب المعارض الاستعادية لكبار المصورين المؤثرين في العالم خلال العقود الماضية.
ولعل أحد أجمل معارض المهرجان الفردية المعنية بفن العمران هو معرض “تحول النرجس 2003 وأعمال مختارة” للمصورة سووي تشو أوه (Swee Choo Oh) التي حلقت بصورها في رحاب العمائر المتحفية المعاصرة بما تتضمنه من حلول بنائية شاهقة تعنى بفرادة الهيكل والقدرة على تأكيد الشموخ الشكلي المهيمن على لب المشاهد وناظريه، خاصة في تلك الصور الفريدة التي ألفتها المصورة لتبرز جماليات متحف برود في لوس أنجلوس.

بارا براسيلوفا: “قالب حلوى”، 80×80 سم. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.
بارا براسيلوفا: “بدون غيوم”، 90×72.2 سم، 2020. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

فيما نجح المصور سهيل أ (Souhayl A) في معرضه “أمشي في باريس بحب” في التقاط مادته التصويرية من خلال تجواله على مدار عشر سنوات في أرجاء العاصمة الفرنسية باريس، وفي مواصلاتها، وعبر حدائقها وميادينها متخيراً لقطاته المدهشة من داخل عربات المترو وعبر أرصفته وعلى مشارف المعالم الباريسية الشهيرة كبرج إيفل وكاتدرائية نوتردام ومركز بومبيدو ونهر سانت مارتين والمبنى الرئيسي للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمال ومحتفياً بمحطات المترو وفن الشارع والأب الروحي للحمام وأعمدة الإنارة والبشر في جميع هذه الأماكن وفي كنفها، حيث تحيا الشوارع وتنطق الجدران وتنبض كافة الصور بنبض الناس والكائنات الموجودة على نحو ما في جنبات الصور، والتي تخير لها المصور أن تكون بالأبيض والأسود دون الألوان ليضفي عليها مسحة من الحنين والشوق ويمنحها سحرها الزمني الباقي والخالد أبداً.
بينما يحتل معرض “دوائر” للمصورة بارا براسيلوفا (Bara Prasilova) موقعه الفريد ضمن معارض المهرجان، وهو معرض يستلهم مشاهده من الشكل الدائري بكل دلالته البصرية والفلسفية، وما يتضمنه من أبعاد واقعية وأخرى متخيلة، حيث تتبدى الفلسفة بوضوح في سعيها من خلال الحركة والديمومة الدائرية إلى مواكبة الكون في نمط وجوده واتساعه بداية من الدوائر الصغرى التي تنتثر في عالمنا الصغير، وفي هذا المعرض المبهر سنجد مجموعة من الأفكار السريالية النابضة التي تتصور مثلاً قالب حلوى يضم عبر دائرته العلوية مجموعة من الشفاه المضمومة حول عدة سجائر مشتعلة بدلاً عن الشموع المفترضة، وتتصور في عمل آخر عنوانه “دون غيوم” فتاة راكعة فيما ضفائرها تمتد على الجانبين لتشكل دائرة مغلقة وسياجية الهيئة والمعنى يوجد في محيطها الداخلي من الجهة المعاكسة للفتاة طفل يحدق في العمق الذي يتألف أيضاً من سياج ممتد بعيد، كترديد مستمر للمعنى النائي الذي يتشارك في صنعه المصور والشخوص داخل الصورة وكذلك المشاهد المتجاوب.
أما المصور غابرييل ويكبولد (Gabriel Wickbold) فقد تخير في قسم من معرضه عنوانه “سذاجة” الوجه البشري مادة رئيسية لصوره، فهو يرى أن الوجه قادر على تقديم العديد من الاحتمالات عبر الملامح الظاهرة التي تخفي وراء وضوحها المعهود الكثير من الأسرار والمشاعر والأفكار المخبوءة التي لا يمكن لها أن تظهر هكذا على السطح ببساطة، وفي قسم آخر من المعرض عنوانه “على اتصال” مزج بين البشر وخطوط التواصل الشبكبي المفترضة (الانترنت) ليعبر عن صلة الوصل وهيمنة هذه الوسيلة الرقمية على حياة الإنسان في عصرنا الحديث وقدرتها على الاستحواذ على الوجود البشري عموماً ووضع الإنسان في براثن سيطرتها وسطوتها.

جودي كوب: “رقصة الجيشا”، 90×60 سم. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.
برايان هودجز: “الكرة”، 116.6×145 سم. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.
غابرييل ويكبولد: “ساذج”، 110×110 سم. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.
نيل لايفر: “محمد علي كلاي ضد كليفلاند ويليامز ”، سم، 1966. بإذن من المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

في الوقت الذي ارتحل فيه برايان هودجز (Brian Hodges) إلى ريف أوغندا ليرصد شغف الأطفال هناك بكرة القدم، وهم من نجحوا بأياديهم في صنع كرات غير نمطية تتألف من قطع الأقمشة والجوارب وأوراق شجر الموز والإطارات والأغصان لتلائم اللعب بالأقدام الحافية على الأرض الصلبة أو الأراضي المفروشة حتى بالحصى، وقد عكست أشكال الكرات الثرية والمتنوعة بصرياً قدرة البشر في إفريقيا على التفنن في صوغ حاجاتهم بطرق فنية بارعة، وكذلك عكست هذه الصور بجلاء القدر الكبير من تعلق الشعوب الإفريقية بكرة القدم والتوق الكبير للعبها في كل الأماكن وفي كل الأوقات وبكرات لا مثيل لها في جمال هيئتها وبراعة صنعتها.
وتكمن أهمية هذا المعرض الساحر في قدرة الصورة على رصد التنوع في الوحدة البصرية وتقديمها في سياق فني يعيد للأشياء العادية في الحياة اليومية اعتبارها مع وضعها في صدارة المشهد بوصفها الفني البليغ الذي هي عليه.
وفي معرضها “رؤية عن كثب” جاءت مجموعة رائعة الجمال من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها المصورة جودي كوب(Jodi Cobb) خلال أربعة عقود، حيث تعتبر جودي كوب واحدة من أهم المصورين الصحفيين المؤثرين في عصرها، وهي المصورة الميدانية الوحيدة في تاريخ ناشيونال جيوغرافيك، وخلال مسيرتها العريضة التي تمكنت خلالها من الترحال إلى 65 بلداً في سبيلها لتوثيق الثقافات والحياة الاجتماعية وإلقاء الضوء عن قرب على قضايا ووجود المرأة، وتعتبر جودي أول مصورة تمت دعوتها لاكتشاف الثقافة الحصرية والقديمة للغيشا اليابانية، وتحفل صورها بالفكاهة والرعب والجمال والعبثية -وذلك بحسب ما جاء في تقديم معرضها المتنوع والرائع في المهرجان- وهو معرض يعكس مساحة عريضة من وعي المصورة وشغفها بتوثيق الثقافات الإنسانية في بلدان العالم على تنوعها وتعدد مشاربها وتمايز وجودها.
بينما احتفى المهرجان بأفضل أعمال المصور العالمي نيل لايفر (Neil Leifer) من خلال عرض مجموعة من أشهر الصور الفوتوغرافية له، ومن بينها لقطة من أعلى لمحمد علي كلاي بعد خروج الملاكم كليفلاند ويليامز من الجولة الثانية بالضربة القاضية خلال المباراة النهائية لبطولة الملاكمة للوزن الثقيل في أمستردام عام 1966، إضافة لصور عديدة لمحمد علي وجورج فورمان ومايك تايسون وسيلفستر ستالوني وجو كنيدي وصور لنيل لايفر نفسه مع محمد علي وفيدل كاسترو، وكذلك مجموعة من الصور الشهيرة الرياضية والبرية والبانورامية والسياسية التي التقطها نيل لايفر عبر تاريخه الطويل.

كاتب

شاعر وروائي وباحث في الفنون البصرية، نال ماجستير تاريخ الفن من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 2008، كما نال بكالوريوس الفنون التعبيرية من قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة بالمنيا عام 1996، وكان قد شغل منصب مدير تحرير مجلة (التشكيل)الصادرة عن جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، كما ترأس لجنة الندوات الفكرية الدولية لملتقى الشارقة للخط ومهرجان الفنون الإسلامية وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي بإدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة حتى عام 2012،

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.