بداية من نافل القول الإشارة إلى أن الواقعية التعبيرية في الفن في الإمارات والعالم العربي يتصل سياقة بالبعد الدراسي الأكاديمي لكوكبة من الفنانين الذين نالوا حظا من المعرفة الفنية في بلدان الإيفاد الدراسي العربي، حيث تأتي في المقدمة مصر، وفي السياق العالمي تأتي في المقدمة الولايات المتحدة ومن ثم بريطانيا.. فقد حرصت الدولة على إرسال المبتعثين للدراسة الفنية بصنوف ألوانها.. كما كان للتفاعل الحيوي مع المدارس والبيئة الفنية لدولة الكويت أثرا محمودًا في تبلور رؤية ومقترحات المؤسسين للفنون البصرية التعبيرية في الإمارات، وأذكر منهم على سبيل المثال الفنان عبد القادر الريس. والجدير بالذكر أن الأثر المحمود للتعليم في الكويت شمل ايضا المسرح والدراما التلفزيونية وفنون الكتابة الأدبية.
إن الحديث عن الفنون البصرية التعبيرية يجرنا إلى أهمية ملاحظة التسلسل الكرونولوجي التوصيفي والتصنيفي للفن التشكيلي.. وهو تسلسل لا يغني عن تعددية أوجه النظر في النوع الواحد.. بحيث تصبح الصفة السائدة في هذا النوع أو ذاك مدخلًا لملاحظة التفاعل بين الأنواع الفنية البصرية.. فالفن التعبيري ينفتح على الواقعية الأكاديمية في أفق ما.. كما يجاور الرومانتيكية والانطباعية الفنية بحسب وجدانيات الفنانين ومقاساتهم التعبيرية.. حتى أنه يمكن القول بأن لا حواجز بين الأنواع الفنية التشكيلية حتى وان بدا كل تيار مستقلا بذاته.. وذلك عطفا على ضرورة التوصيف والتصنيف وإدراك المحتوى التعبيري الذي يريده الفنان.. وصلة ذلك المحتوى بالمرحلة الزمنية واسئلتها الوجودية.
من هنا ندرك الصلة العميقة بين الأساليب الفنية المختلفة ونظرات الفنان النابعة من حضوره العضوي في مجتمعه.. غير أن البعد الموضوعي العام يتصل أيضا بالخيار الفني والأسلوب التعبيري. وبهذا المعنى نجد أنفسنا ملزمين أولا بتحديد ملامح الواقعية التعبيرية من خلال ما يلي:
اولا: البعد الإسكولائي (المدرسي) ويتصل حصرا بقوانين المنظور والتكوين والتباين والاحتشاد والفراغ والمناظر والتوازن.. وهي بجملتها قوانين فيزيائية تسري في كامل الفنون البصرية ومنها الفن التشكيلي.
ثانيا: صلة الفنون التعبيرية والواقعية بالبيئة الاماراتية.. بانساقها البحرية والجبلية.. والعمارة والوديان والصحراء.. وقد انعكست هذه الأنساق في تجارب الفنانين عبد القادر الريس (فنون العمارة المحلية بالتآلف مع الزخرفة والحروف والافتراضات اللونية المبهرة واستنطاق البراجيل والنوافذ والحجارة).. كما تجلت عند الفنانة نجاة مكي في الالوان البحرية والتماهي التعبيري مع فنون السدو والازياء.. والرقش والمنمنمات الزخرفية.. كما جاور الفنان عبيد سرور حالة التعبير الواقعي من خلال اعماله البانورامية الباذخة التي استأنست بيئات الجبال والوديان والصحراء.
الثالث : تقاطعت التجربة الواقعية التعبيرية مع المدارس الفنية الأحدث ابتداء من المدرسة التأثيرية.. مرورا بالتجريد والرمزية.. وحتى الفنون المفاهيمية .. وفي هذا الصدق يمكن الإشارة الى التجارب المبكرة للفنانة الشيخة حور القاسمي لجهة التوشيج بين القيم التعبيرية اللونية والافاق التجريدية المنفتحة على الترميز.. كما يجدر الإشارة أيضا للفنان المفاهيمي الراحل حسن شريف واعتناقه لمشاهد البيئة المحلية المتصلة بفنون التركيب المفاهيمي .. وكذلك الفنان عبد الرحيم سالم الذي عانق التعبير الواقعي من خلال التجسيم الموشى بالتجريد.
الاشارات السابقة لا تغني عن مزيد من الاستغوار والبحث عن مفردات الفن الواقعي التعبيري في التشكيل الإماراتي..مما سنأتي عليه تباعًا ولاحقًا.
الدكتور عمر عبد العزيز، باحث ومفكر من اليمن، يشغل حالياً منصب مدير الدراسات والنشر في دائرة الثقافة بالشارقة. هو أيضاً رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي ورئيس تحرير مجلة الرافد. لديه العديد من المؤلفات، بالإضافة إلى إسهاماته الثقافية والأعمال الفنية.
حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، وقد قام بكتابة أكثر من ٤٠ منشوراً في مجالات الفكر والنقد والرواية وعلم الجمال. هو أيضاً فنان تشكيلي، في جعبته عدة معارض فردية، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من المعارض والتظاهرات الفنية على الصعيدين العربي والدولي.