Jalal Luqman: “Sleeping with the fishes”, 2022, courtesy of the artist.

الفن لغة عالمية، يفهمها كل شخص نسبة لما يحمله من مخزون فكري وثقافي، فالفن يخاطب كل إنسان حسب لغته ونمط حياته، وهو بمنزلة جوع من نوع مختلف، جوع للإبداع وعطش للجمال، وتجسيد لحدث أو حالة معينة، ذاتية أو موضوعية.(1)

أدى تطور العلم والتكنولوجيا الحديثة إلى تطور أنماط جديدة من الفنون ومنها فن الجرافيك والفنون الرقمية والرموز غير قابلة للاستبدال NFT، غيرها التي تتمازج فيها الموهبة بالإلمام التقني. ظهر الفن الرقمي (Digital art) في السبعينيات من القرن الماضي. ويعرف بكونه العمل الفني أو الممارسة التقنية التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية كجزء أساسي من عملية الإبداع أو العرض، وهو فن يعتمد على صيغ رقمية يختارها الفنان لتتحول بواسطة الحاسوب الى أشكال فنية بصرية. ويعد الفنان جلال لقمان من أوائل الفنانين الذين شغفوا بالتقنية الرقميّة، وقاموا باستخدامها في إنجاز أعمالهم الفنيّة، لقد استفاد الفنان جلال لقمان من قدرات الكمبيوتر وبرامجه المتنوعة، واستطاع ان يقدم فنا بصريا بأسلوب جديد ومبتكر، يجمع بين القيم الفنيّة التقليديّة، والقيم الفنيّة لتقنيات الكمبيوتر وبرامجه المتنوعة. اكتسب شهرة كفنان متعدد الوسائط، يجمع بين فهمه لمدارس واتجاهات وأساليب الفنون البصرية والفنون الرقمية.

قدم الفنان جلال لقمان العديد من الأعمال الفنية، المجسدة بخامات ومواد مختلفة، إلى جانب المجسمات الضخمة، تمحورت حول موضوعات متنوعة: الخط العربي، البيئة المحلية، التراث، المرأة، الطفولة، الطبيعة، شخصيات افتراضية وغيرها.

بدايات

بدأ الفنان جلال لقمان الرسم باكراً، وكان فعلياً يرسم في أي مكان مستخدما ما يجد أمامه من وسائط، فكان غالباً ما يعاقب في المدرسة لرسمه على الطاولة، وعلى الجدار وعلى ثيابه وثياب زملائه، تنبه الفنان في تلك الفترة بأن للفن قدرة على تحريك المشاعر المختلفة، كالشعور بالفرح أو الغضب، الفن لديه القدرة على الاستفزاز. تأثر الفنان بالشخصيات الكرتونية (الرسوم المتحركة) منذ طفولته، “سوبرمان” وغيره، وكان يحلم بأن يكون لديه عالمه الخاص، حيث يمتلك القدرة على خلق شخصيات مختلفة وإعطائها صفات وأشكالاً معينة مبتكرة. يقول: “كنت أرسم لوحات زيتية بالفرشاة والألوان الزيتية والمائية والقلم الرصاص، وكانت القصص المصورة التي أرسمها موضع إعجاب أساتذتي وزملائي في المدرسة الإعدادية”. ويشير الفنان إلى حصوله على أول جهاز كمبيوتر عندما كان لا يزال في المرحلة الإعدادية: “منذ صغري كنت أخرج إلى الشاطئ وإلى البادية وأختزن في الذاكرة هذه المشاهد الجميلة وأعود إلى البيت لأرسم بالقلم والريشة كل ما شاهدته، وبتشجيع العائلة واصلت مشواري الفني حيث كنت أمتلك جهاز كمبيوتر وأنا في الأول الإعدادي”. (2)

يشير الفنان الى بداية الثمانينيات، وظهور الكمبيوتر وبرامجه المتنوعة. في ذلك الوقت حاول الفنان البحث عن كتب لتعليم برمجة الكمبيوتر ولكنه لم يجد سوى بعض المجلات. وبعد تخرجه من المدرسة، سافر الفنان إلى أميركا للدراسة وبعد عودته الى الامارات، كان غالباً ما يصور الأماكن من حوله، يقول: “كنت اذهب الى ميناء الصيادين وأصورهم وأصور المباني التراثية والفنادق، وكنت أعمل على تحميض الصور واستخراجها بنفسي ثم أعمل عليها من خلال برامج الكمبيوتر “.(3)

لقد استفاد الفنان جلال لقمان من دراسته وتمكنه من استخدام العديد من برامج الكمبيوتر التي تتعلق في مجال التصميم، لتتحقق بذلك طموحاته الفنية، وقدراته الإبداعية في المجالات التقنية، فقام بتنفيذ العديد من الاعمال الفنية التي نفذت بأسلوب مبتكر اعتبر غريبًا نوعًا ما عن الوسط الفني السائد وقتها، الأمر الذي فتح له المجال للعمل على تصميم الكتالوجات للمعارض، بعد ان استحوذت أعماله على اهتمام المؤسسات، ليشكل ذلك انطلاق لمسيرته الفنية. يشير الفنان جلال لقمان بأنه بدأ العمل لأول مرة على كمبيوتر ZX81 عام 1981. ونظراً لقدرات الجهاز وقوته المحدودة في الرسوم، انتقل بعد ذلك إلى كمبيوتر أتاري 800 الأكثر تطوراً وبدأ في ابتكار الأعمال الفنية رقمياً باستخدام برنامج الرسم ديلوكس بينت (Deluxe Paint) الذي يأتي على شكل خرطوشة ويتيح إنتاج رسوم بحجم 8 بت.

يحدثنا الفنان جلال لقمان عن بداياته قائلاً:” كانت البدايات متواضعة وبدأت بطموح وعزيمة ورغبة في النجاح، وما كان لهذا أن يتحقق من دون الدعم الكامل من والدي، وقد أكون من أوائل الشباب الذين كان لديهم أجهزة كمبيوتر في أبوظبي، وكانت برامج التصاميم الموجودة بدائية وغير كافية لتحقيق طموحاتي، لكن التطور المطرد في مجال البرامج قدم في برامج معقدة وتفصيلية، استفدت منها، بالإضافة الى المواهب الفنية في تحقيق ما كنت أصبو إليه، وخلال رحلتي الفنية تعاملت مع الصلصال، الألوان البلاستيكية، الفرشاة الهوائية، التماثيل المطاطية، السيراميك، الفحم، وألوان الباستيل ونفذت بعض أعمالي في الولايات المتحدة الأميركية”(4)

مسيرة فنية

استهل جلال حياته المهنية فناناً تجارياً، فعمل على تصميم البطاقات البريدية، وبطاقات الدعوة والمنشورات والكتيبات حتى أصبح المجمَّع الثقافي أحد عملائه. وقد اكتشف فريق إدارة الفنون المرئية أعماله وأيقن أن فنه يسبق عصره ويستحق الظهور في معرض فني يليق به. استضاف المجمَّع الثقافي أول معرض فني رقمي في عام 1996 من إنتاج جلال لقمان مستهلاً انطلاق هذا النوع من الفن رسمياً في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.

جلال لقمان: «النوم مع الأسماك»،فن رقمي متحرك،2022
جلال لقمان «النوم مع الأسماك» فن رقمي متحرك 2018

استمر المعرض أسبوعين، وكان يُعد مشروعاً رائداً في ذلك الوقت، حيث أخذت الأعمال الفنية المعروضة الزوار في رحلة عبر التاريخ إلى زمن الإبل والصقور، وإلى الكواكب البعيدة والكائنات الغريبة.

في المعرض الحالي، نلقي نظرة على تاريخ أول معرض فني رقمي أقامه المجمَّع الثقافي، ولكن بفكرة ومفهوم جديدين.

بدأ الفنان جلال لقمان مسيرته الفنية، من خلال تصميم الكتالوجات وبطاقات الدعوة والكتيبات المرافقة للمعارض التي كانت تقام في المجمع الثقافي، ومنها “كتالوج لمعرض للجلابية العربية” وكتالوج آخر لمعرض يجسد تاريخ جزيرة ابوظبي وغيرهما. كانت الدكتورة ريم المتولي آنذاك مسؤولة المعارض تطلب منه بعض عينات من اعماله، وقامت بتنظيم معرض فردي له في المجمع، وبذا يكون المجمع الثقافي قد استضاف أول معرض فني رقمي في فبراير عام 1996، من إنتاج جلال لقمان مستهلاً انطلاق هذا النوع من الفن رسمياً في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي. استمر المعرض أسبوعين، وكان يُعد مشروعاً رائداً في ذلك الوقت، وكان ذلك بمنزلة انطلاقته كفنان. (5)

رافق معرض الفنان جلال لقمان، ندوة أقيمت على هامش المعرض، تكلم خلالها عن التقنيات الفنية الحديثة مشيراً الى أن العمل الإبداعي الفني يأتي من داخل العين التي تبصر واليد التي تتحرك واختيار اللون والمساحات والتصميم نفسه أو الفكرة… والجدير بالذكر، ان الفنان وعلى الرغم من استخدامه الكمبيوتر وبرامجه وتقنياته المتنوعة، لكنه جسد في اعماله بيئته المحلية، وتراثه، ففي جهازه العديد من الصور الفوتوغرافية التي التقطها بنفسه لتكون الموضوع الأساس لسلسلة من الاعمال الفنية المنفذة من خلال تقنيات وبرامج الكمبيوتر، يقول: ” ان التراث جزء غال في حياتنا، وان تطويره مسؤولية تقع على الفنان والمثقف والكاتب…وأرى ان الكمبيوتر وسيلة مهمة للحفاظ على التراث. اذ يمكن لأي مهتم أو باحث ان يسترجع أدوات التراث بسهولة عن طريق شبكة المعلومات الدولية “الانترنيت” وعبر هذه الشبكة يمكن التعريف بتراثنا الى العالم كله”، بالنسبة له “الصورة تعادل ألف كلمة”. (6)

لقد أثبت الفنان جلال لقمان جدارته، وانتقل من مرحلة فنان تجاري يقوم بتصميم بعض الاعمال وفق طلب محدد، الى فنان بصري يمتلك مواهب استثنائية.

أقام الفنان العديد من المعارض الفنية المحلية والدولية، في نيويورك والكويت وطوكيو ومصر والمغرب وجهورية التشيك وواشنطن وبكين والمملكة المتحدة وغيرها، وهو يعتبر أول من أدخل “الفن الرقمي” إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة، عام 1996، وهذا ما جعله رائداً في هذا المجال على مستوى الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي.

والجدير بالذكر بأن المجمع الثقافي وبعد مرور 26 عاماً على تاريخ إقامة أول معرض فني رقمي للفنان جلال لقمان، يستضيف في المعرض الحالي وبنفس الصالة، معرض فني رقمي “الحياة سيرك” يشارك فيه جلال لقمان الى جانب مجموعة من الفنانين، ولكن بفكرة ومفهوم جديدين.

المراجع

1. جلال لقمان: مقابلة شخصية (مسجلة)، zoom، 6/8/2021
2. جلال لقمان: مقابلة شخصية (مسجلة)، zoom، 6/8/2021
3. جلال لقمان: “مقابلة شخصية”، zoom، 16/8/2021

4. جلال لقمان: “كتالوغ معرض الفنان جلال لقمان”، إصدارات المجمع الثقافي، 1996..
5. جلال لقمان: مقابلة شخصية (مسجلة)، zoom، 16/8/2021
6. جلال لقمان: “تطويع الكمبيوتر لخدمة الابداع”، جريدة الوطن، 1996، أرشيف الفنان.

رئيسة التحرير

مؤرخة فنية وقيّمة، رئيسة تحرير مجلة التشكيل، حاصلة على درجة دكتوراه بامتياز في "الفن وعلوم الفن"، وماجستير في الفنون وماجستير في فلسفة الفن ودبلوم دراسات عليا في الفن والتصميم، نشرت العديد من الكتب وحاضرت على نطاق واسع حول فنون الحداثة وما بعد الحداثة والجماليات الفنية المعاصرة، وفي جعبتها العديد من الكتب المنشورة التي تؤرخ وتوثق من خلالها الفن في العالم العربي

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.