الدكتورة رفيعة غباش وهي في المرحلة الإعدادية، في بداية السبعينينات مع والدتها في مزرعتهم في العوير. بإذن من د. رفيعة.

الدكتورة رفيعة غباش

  • تاريخ حافل بالإنجازات
  • أول طبيبة نفسية في الإمارات
  • أسست “متحف المرأة”
  • أسست متحف “بيت الإبداع”
  • شغلت منصب عميدة كلية الطب في “جامعة الإمارات”
  • رئيسة سابقة لجامعة الخليج العربي في البحرين
  • عملت على إصدار “موسوعة المرأة”

من أين نبدأ عند الحديث عن الدكتورة رفيعة غباش؟ هل نعود إلى زمن تحدي الصعاب، وقسوة العيش، وغوائل المحطات الداوية؟ أم نتحدث عن رحلة العلم، والمثابرة، والمواجهة، وإثبات الذات في عالم مليء بالتحديات؟ أم نتكلم عن سجل حافل بالإنجازات ومسيرة نجاح وطموح لا ينضب؟ وهل نكشف لكم عن جانب آخر وهو الشغف بالفن، وامتلاك الموهبة؟ فلولا اختيار الدراسة العلمية ومهنة الطب الإنسانية لكانت الدكتورة الآن من أوائل الفنانات في دولة الإمارات، وقد تُرجم هذا الشغف بمبادرة إبداعية فردية أطلقتها الدكتورة رفيعة غباش باسم “بيت الإبداع”.

مما لا شك فيه أنها امرأة استثنائية، وهي تُعد من أبرز الناشطات

الثقافيات والحقوقيات المهتمات بتعزيز وضع المرأة العربية والتمكين لحقوقها. أسست د. غباش “متحف المرأة” بدبي، وهو مبادرة ثقافية فريدة من نوعها في الوطن العربي للاحتفاء بالنساء الرائدات، والاعتزاز بإنجازاتهن، وإبراز أعمالهن. وهو أول متحف للمرأة في الإمارات يعرض تاريخ نساء استثنائيات مارسن دورًا بارزًا في هذا البلد.

سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، وسمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم ولي عهد دبي، والدكتورة رفيعة غباش خلال افتتاح “متحف المرأة”، 2012 / 12 / 6.

تمثل الدكتورة رفيعة عبيد غباش إحدى القيادات النسائية العربية التي تمكَّنت من تحقيق إنجازات رفيعة المستوى، وهي أول طبيبة نفسية إماراتية، وأول حاصلة على درجة الأستاذية (بروفسور) في الطب النفسي، وأول امرأة تشغل منصب رئيس جامعة إقليمية – جامعة الخليج العربي بالبحرين لمدة ثماني سنوات.

لها عدد من الأبحاث والكتب التي توثق من خلالها تاريخ دولة الإمارات والموروث الثقافي والفني، منها كتاب عن جدها الذي كان شاعرًا بعنوان “أوراق تاريخية من حياة الشاعر حسين بن ناصر آل لوتاه”، وقد نشِر في عام 2009، وكتاب عن الشاعرة الأسطورية عوشة بنت خليفة السويدي يحمل عنوان “عوشة بنت خليفة السويدي، الأعمال الكاملة والسيرة الذاتية”، إضافة إلى “موسوعة المرأة الإماراتية” التي توثق من خلالها مسيرة النساء الإماراتيات وإنجازاتهن، وقد صُنفَتِ النساء الواردة أسماؤهن بحسب الاختصاصات التي يعملن فيها؛ مثل السياسة، والاقتصاد، والطب، والفن، وغير ذلك. إضافة إلى كتاب “امرأة سبقت عصرها” الذي وثَّقت فيه سيرة والدتها “عوشة بنت حسين” رحمها الله، التي لها تأثير كبير جدًًا في حياتها وعملها.

عمل فني للدكتورة رفيعة غباش، تم تنفيذه خلال دراستها في المرحلة الثانوية بإشراف المدرسة الفاضلة عفاف عبدالرحيم من مصر، 1974 ، متحف “بيت الإبداع”، دبي.

مرت الدكتورة رفيعة غباش بتجارب عدة ساهمت بشكل كبير في بناء شخصيتها الفكرية وهويتها الثقافية، ومنها تعلم القرآن الكريم على يد قريبتها المطوعة “فاطمة” والإقامة معها في مسكنها البسيط، تقول: “في تلك المرحلة كنت أسكن مع المطوعة، وأراقب من بعيد منزل والدتي الباهر، رغم الفقر المادي في مكان إقامتي لكن كان هناك غنى عاطفي وعلمي، وكانت المطوعة تتفاخر بي في الحي وتشجعني”. وتحدثنا الدكتورة رفيعة غباش عن نشأتها قائلة: “نشأت في عائلة مقتدرة، والدتي امرأة استثنائية وعصامية، عملت في الحقل التجاري وكانت مثقفة تهوى العلم والثقافة، وكان لديها نزعة قومية، تجري العروبة في دمها، وكانت مؤثرة وصاحبة فكر ومواقف إنسانية، وكانت تناقشني في كل ما أكتبه وتحاورني دائمًا حول مقالاتي الصحفية، فقد كان لدي “عمود” في صحيفة البيان يحمل اسم “وجوه جميلة بيننا”، ورغم أني لم أكن المقربة عاطفيًا من والدتي لكن كان هناك دائمًا حوار عقلي وأحاديث لا تنتهي، لقد أسهمت في بناء شخصيتي الفكرية والثقافية؛ فقد نشأت على حب العلم والمعرفة، فالمعرفة هي غذائي اليومي، أتلقفها وأعيد سردها بطرق مختلفة”. درست د. غباش الطب في جامعة القاهرة، ثم تخصصت في الطب النفسي وحصلت على درجة الدكتوراه في الطب النفسي المجتمعي والوبائي من جامعة لندن في عام 1992، لكنها لم تكتفِ بنيل الدكتوراه، وتابعت تحصيلها العلمي وحصلت على ست شهادات أكاديمية عليا. عُينت عميدًا لكلية الطب وعلوم الصحة في جامعة الإمارات العربية المتحدة في العين في عام 2000، وبعد ذلك بوقت قصير تسلمت رئاسة جامعة الخليج العربي في البحرين لمدة ثماني سنوات. كانت أول امرأة تشغل هذين المنصبَين. إلى جانب كل ذلك تعلمت العزف على البيانو والجيتار، وهي غالبًا ما تردد أن “العمر قصير جدًًا لتعلم كل ما نحلم به وتحقيقه”.

متحف “بيت الإبداع”

بيت الإبداع هو مشروع ثقافي يهدف إلى توثيق الحركة الفنية بالإمارات، وجمع المبدعين والفنانين الإماراتيين تحت سقف واحد، ومد جسور التواصل والتعارف مع الثقافات الأخرى.

يعرض المتحف إبداعات الفنانين الإماراتيين من أجيال مختلفة، والتي تعكس روح الإبداع الضاربة بجذورها في المشهد التشكيلي في الإمارات، وتبرز جماليات الهوية والبيئة الإماراتية. كما ينظم المتحف مجموعة من الأنشطة المصاحبة كتنظيم المعارض واللقاءات والحوارات، واستضافة الباحثين ونقاد الفن والفنانين، وإصدار الكتب الثقافية والفنية. يقع المتحف في منطقة الحمرية بدبي، وهو منزل والدتها “عوشة بنت حسين” رحمها الله، الذي بُنيَ ما بين عامي (1968-1969)، ولا يزال محتفظًا بشكله الجيد وتفاصيله المميزة، فقد أرادت الدكتورة رفيعة احتواء الفنانين الإماراتيين في بيت العائلة الذي عاشت فيه، والذي يحتوي في كل ركن من أركانه على طاقة مليئة بالحنين والأحداث والذكريات التي عاشتها مع أسرتها.

يتكون البيت من ست غرف وثلاث قاعات، واحدة منها تتميز بارتفاع سقفها، ووجود درج رخامي مرتفع، ويُعد المنزل بكل تفاصيله مع الساحة الخارجية مثالًا للبيت الإماراتي الشعبي القديم. تقول الدكتورة رفيعة: “انتقلنا للسكن في البيت عام 1970، وكان هناك حالة انبهار بتصميمه وطريقة تشييده، كان من أوائل البيوت الكبيرة ذات السقف المرتفع، لكن سيدة المنزل –والدتي- كانت امرأة استثنائية، سابقة لعصرها، بفكرها وثقافتها،

ملأت البيت فرحًا واعتزازًا، فكان يأتي لزيارتنا الشخصيات المرموقة، من حكام وشيوخ وقادة عرب، وكانوا يأتون في العيد لإلقاء السلام عليها، وهي تستقبلهم متدثرة بحشمتها وعباءتها وقيمها وموروثها الثقافي، لقد نشأت في بيت أشبه بمؤسسة، سكن فيه 35 شخصًا، في كل ركن حكاية وذكريات تبث في المكان طاقة وروحًا وحياة “.

تحرص د. غباش على أن يكون لكل فنان عمل فني ثابت في المتحف، وقد خصصت بعض الغرف لبعض الفنانين مثل الفنانة الدكتورة نجاة مكي، وبعضها الآخر لنوع معين من الفنون كالخط، وهناك غرفة مستوحاة من شهرزاد للفنانة أسماء الغرير، وغرفة للفنانة عائشة السويدي توثق فيها تاريخ دولة الإمارات من خلال محاكاة الطوابع البريدية بأعمال فنية، وقد تجاوز عدد الفنانين حتى اليوم 80 فنانًا من أجيال مختلفة، من بينهم الفنان عبد القادر الريس، والفنان عبد الرحيم سالم، والفنانة فاطمة لوتاه، والفنانة سلمى المري، والفنانة عزة القبيسي، والفنان سالم الجنيبي، والفنان خليل عبد الواحد، وغيرهم الكثير.

يعود الشغف بالفنون البصرية لدى الدكتورة رفيعة غباش إلى مقاعد الدراسة، ويجد الزائر لبيت الإبداع منحوتة للدكتورة تمثل امرأة، أنجزت عام 1972، وهي تشير إلى موهبة وإدراك واضح لعلم المنظور وأسس النحت. تقول الدكتورة رفيعة: “في طفولتي كنت أجمع صورًا للأعمال الفنية وأضعها على جدران غرفتي، والآن أقتني الأعمال الفنية، وقد اقتنيت من الفنان البحريني عباس الموسوي مجموعة من اللوحات، وبعد أن واجهت بعض الصعوبات خلال مرحلة تأسيس المتحف وضعت أعماله على جدران البيت، الأمر الذي أسهم في تأكيد رؤيتي في إمكانية إنشاء متحف، والآن لدي مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية للعديد من الفنانين، ويحرص الكثير من الفنانين على إهداء المتحف أعمالهم الفنية، والذي بدأ يأخذ طابع البعد الإنساني أيضًا من خلال مشاركة الفنانين، وزيارتهم المستمرة له وإقامة اللقاءات والحوارات الثقافية والفكرية والفنية، وأنا ألمس تقديرهم للجهود المبذولة، وهذا ما يشجعني على المُضي أكثر في خدمة الفن والثقافة والعلم”. تشبِّه الدكتورة رفيعة الفن بالشعر؛ فكلاهما بالنسبة لها ينبع من وجدان الإنسان، ومن أعماق تجربته ومعاناته، تقول الدكتورة رفيعة: “المعاناة تنضج الكاتب والشاعر والفنان كما تنضج والعقل والقلب، وشخصية الإنسان تتلقى المعاناة بطريقتين مختلفتين: إما ابتلاء يعلمك الصبر، وإما ابتلاء يجعلك تنقم على الحياة”. وتشير الدكتورة رفيعة إلى أن باستطاعتها التمييز بين عمل فني صادق يحمل في طياته موهبة وإبداعًا وعملًا مشغولًا للتجربة والبحث ليس فيه عمق أو إحساس.

متحف “بيت الإبداع”، 2022 .

لقد ازدانت الدكتورة رفيعة بالتجارب والمعاناة والصعوبات التي صنعت منها إنسانة أكثر تواضعًا وقربًا إلى الناس، وجعلتها أكثر تقديرًا للفن والفنانين، الأمر الذي أسفر عن متحف للإبداع في بيت من أجمل البيوت وأعرقها في دولة الإمارات

رئيسة التحرير

مؤرخة فنية وقيّمة، رئيسة تحرير مجلة التشكيل، حاصلة على درجة دكتوراه بامتياز في "الفن وعلوم الفن"، وماجستير في الفنون وماجستير في فلسفة الفن ودبلوم دراسات عليا في الفن والتصميم، نشرت العديد من الكتب وحاضرت على نطاق واسع حول فنون الحداثة وما بعد الحداثة والجماليات الفنية المعاصرة، وفي جعبتها العديد من الكتب المنشورة التي تؤرخ وتوثق من خلالها الفن في العالم العربي

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.