لعل محاولة الإحاطة بالحراك الفني التشكيلي في الإمارات في الأشهر الأولى من السنة تحتاج إلى جهد ضخم يغدو أشبه بالعدو خلف ماراثون إبداعي يواكب روعة أجمل شتاء في العالم، لهذا نقف هنا في محاولة متواضعة لتسليط الضوء على بعض المعارض والفعاليات الفنية التي أقيمت خلال الفترة الماضية والتوقف عند أبرزها.
الفن في إكسبو 2020
بداية لا بد من التوقف قليلا أمام عظمة هذا المتحف الكبير والاعتراف أنك في كل خطوة تخطوها داخل هذا المتحف الساحر تجد نفسك تمر بحكاية لفنان تشكيلي أو مصمم مبدع حرص على أن تكون له بصمة في هذه المساحة من العالم، فخلف كل كرسي في إكسبو ثمة حكاية لمصمم، وأمام كل جناح أنت على موعد مع إبداع فني من ثقافة مختلفة وتركيبة وجدانية مختلفة أيضا، هناك في إكسبو2020 حيث تتلاقى الأفكار والعقول والحكايات لتشكل ملامح آخر ما توصلت إليه البشرية في رحلتها الطويلة منذ ملايين السنين.
برنامج الفنون البصرية
الترحيب بالعالم في إكسبو2020 على طريقة دبي جاء منسجما مع رؤيتها في تكريس دور الفن ليكون الواجهة لهويتها الحضارية، لهذا كان بديهيا أن تتضمن التحضيرات لهذا الحدث الضخم بإطلاق “برنامج الفنون البصرية” القائم على تكليف فنانين محليين وعالميين لإبداع أعمال فنية معاصرة في الأماكن العامة تنسجم مع رؤية إكسبو 2020 في تواصل العقول وصنع المستقبل وتتناغم مع الخطة الطموحة لتصميم الموقع.
تولى المنسق الفني طارق أبو الفتوح تصميم البرنامج الذي يتضمن أعمال فنية معاصرة في الأماكن العامة من إبداع مجموعة من الفنانين هم: أسماء بلحمر، أوليفر أليسون، حمرا عباس، خليل رباح، شيخة المزروع، عبدالله السعدي، عفراء الظاهري، منيرة القادري، نادية الكعبي لينك، هيجيو يانج وينكا شونيباري.
ومن المجسمات التي قدمها الفنانين “مجسم تكوين” للفنانة زينب الهاشمي، و هو مجسم مفاهيمي يهدف إلي استكشاف العلاقة بين الأشكال الهندسية والأشكال الطبيعية، يقع في جناح الاستدامة تيرا، و “منحوتة الوسائد” أو “تلعب بيت” للفنانة الإماراتية عفراء الظاهري، الذي يستدعي ذاكرة جميلة تحاكي تلك الوسائد الحجرية وتراتبيتها التي تبدو أشبه بدعوة للعبور إلى الماضي وبناء منازل الطفولة المكونة من تجميع تلك الوسائد، ويقع المجسم بجوار جناح الإمارات، أما مجسم “ركيزة” للفنانة شيخة المزروعي فهو عبارة عن منحوتة لركيزة رخامية، وهي الركيزة التي تستخدم بشكل شائع كوسيلة داعمة للتحف والتماثيل، وهناك “لوحة تيرا بوليس الرقمية” للفنان السعودي أيمن زيداني، التي استخدم فيها خوارزمية رقمية يرى فيها عملية محاكاة تعكس الحياة من منظور موازي يعرض العلاقة بين البشر والعالم الرقمي، أما العمل الفني “كميرا” للفنانة الكويتية منيرة القادري، والذي يعتبر أول عمل تم الكشف عنه في الموقع، فهو عبارة عن مجسم عملاق مستوحى من رؤوس حفر آبار النفط المستخدمة في العصر الحالي.
أعمال إماراتية تنتصر للبيئة
بالتعاون مع “آرت دبي” استضاف جناح الاستدامة “تيرا” خمسة أعمال فنية محفزة للفكر لأربعة فنانين معاصرين من الإمارات والمنطقة العربية، من بينهم الفنان الإماراتي “محمد إبراهيم” الذي قدم عملا تركيبيا تفاعليا بعنوان “هاجز” ويشكل العمل مساحة تأملية ُيطلب من الزوار فيها التأمل في تأثير قيمهم الخاصة على قراراتهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحاسمة مثل البيئة.
أما الوقوف أمام عمل الفنان الإماراتي محمد كاظم “دايركشنز – إكسبو 2020” فيبدو أشبه بدعوة للتفكير بحثا عن حلول مبتكرة لمستقبل أكثر استدامة، إذ يمثل العمل الإحداثيات الجغرافية لزوار موقع إكسبو من مختلف بلدان العالم، أما العمل الثاني للفنان بعنوان “ميجرينغ” فهو يسخر من الدقة المفترضة لأي علاقة مكانية، إذ يدعو العمل المشاهدين إلى التفكر في الطبيعة المتغير لشيء بمنطق القياس.
توأم ديفيد في الجناح الإيطالي
من الطبيعي أن يتفرد الجناح الإيطالي بتقديم عمل فني يجذب أنظار العالم إليه في حدث ضخم مثل إكسبو، لكن الأذهان كانت لتذهب بلاشك إلى فناني إيطاليا المعاصرين، وهذا ما استبعدته الرغبة بتقديم شيء مفاجئ لتخرج لنا بنسخة منحوتة “ديفيد” للفنان والشاعر الإيطالي مايكل أنجلو التي تم تنفيذها عن طريق طابعة ثلاثية الأبعاد، واستخدام الريزن ومواد فنية أخرى لتخرج هذه النسخة المطابقة إلى حد كبير للنسخة الأصلية، لتنقل لنا لمحة عن الوجه الثقافي الغني الذي تشتهر به إيطاليا، تدعمها الأعمال الفنية الأخرى التي يعرضها الجناح مستعرضا التجارب والحقب الفنية التي أثرت شوارع وساحات وهواء إيطاليا حتى بكل أشكال الفن والنحت.
“أنا السوري”
“وجهمنسوريا”كانموضوعالمعرضالفنيالذيوحّد50فنانامن سوريا بتوقيع واحد “أنا السوري” حيث تخلى كل منهم على توقيعه الخاص لينصهر بروح الجماعة، دون أن يتخلى عن أسلوبه ضمن منظومة الألوان التي وحدت الأعمال الفنية في حزمة لونية واحدة على مدرج يمتد ما بين الأبيض والأسود، وبأبعاد متساوية لجميع الأعمال التي تناوبت فرصة العرض على الجدار واحد مقابل المرآة التي امتدت على امتداد مساحة العرض حاملة عبارة “بعين قلبي أراك”، حيث أتاح المعرض الفرصة للقاء أعمال فنانين بارزين في الفن التشكيلي السوري، واكتشاف أسماء جديدة على سوية فنية عالية ليلتقوا أمام المرآة ذاتها.
معارض عام الخمسين
الاحتفاءبعامالخمسينكانالعنوانالعريضالذيتوجالعديدمنالمعارض الفنية في الإمارات خلال الأشهر الماضية، فكان العنوان العريض لبعض المعارض، أو كان المناسبة التي احتفت بها معارض أخرى، ومن بينها كان معرض “50 عام 50 عمل فني” الذي نظمته مؤسسة خولة للفنون في k غاليري في حي دبي للتصميم، واستمر ما بين 3 – 30 ديسمبر، ويتفرع المعرض عن مبادرة “50 عام 50 مبدع” التي تم التعاون من خلالها مع 50 فنانا ومبدعا إماراتيا في شتى المجالات الفنية والأدبية؛ لخلق حاضنة إبداعية لهذا الحوار الفني، وهي المبادرة التي أطلقتها المؤسسة منذ تأسيسها، ومن هناك تم التعاون مع 36 فنان تشكيلي وخطاط إماراتي لإقامةهذاالمعرض،وتمالتنسيقمعهملعرض50عملافنيااحتفاًءبعيد الاتحاد الخمسين، وضم المعرض أعمالا تتسم بالتنوع بالأساليب والأنماط الفنية، كما اتسم بأنه جمع نخبة من الفنانين الإماراتيين المميزين من أجيال عدة تحت سقف واحد، والذين حرصوا جميعا على حضور الافتتاح للاحتفال بهذا الملتقى الفني الفريد من نوعه، خاصة بهذه المناسبة الوطنية.
البندقية وفنون الإسلام في “متحف الحضارة الإسلامية”
“إلهام وروائع: البندقية وفنون الإسلام” عنوان حمل بطياته حكاية المعرض التي بدأت بنبش تاريخ العلاقات بين فنون العالم الإسلامي والبندقية والبحث خلف الجذور للتعرف على هوية تلك الأعمال الفنية ذات الطابع الفريد، والتي تعرض للمرة الأولى في “متحف الحضارة الإسلامية” في الشارقة، الذي افتتح 16 فبراير ويستمر لخمسة أشهر من تاريخ افتتاحه.
طريق العودة إلى الخلف أفضى إلى اللقاءات، حيث كانت نقطة الانطلاق، ومنها ننتقل إلى الحوارات التي تمهد الطريق إلى الإلهام، وهكذا جاء تسلسل الجولة في المعرض الذي أقيم بالتعاون بين هيئة الشارقة للمتاحف، ومؤسسة البندقية للمتاحف المدنية، لعرض 72 قطعة أثرية تعرض للمرة الأولى، لتخبرنا عن تأثير الحضارة الإسلامية والفن الإسلامي على البندقية وفنونها ومنتجاتها، إذ يقدم المعرض حكاياته عن طريق الأعمال الفنية، والأواني، والمنسوجات، وغيرها من الأدوات التي تأثرت بالطابع الإسلامي، أو تلك التي انتقلت إلى البندقية كهدايا ثمينة في ذاك الزمن.
فنانة وصحفية، درست في جامعة حلب قسم علم الاجتماع وتخرجت عام 2005،مختصة في رصد ومتابعة الحراك الفني والثقافي في دولة الإمارات.