قدم أضخم جدارياته في بينالي ليون 2022
محمد كاظم.. صياد زوايا الضوء الخفيّة

  • قدم 12 عملاً فنياً على شكل لوحات صغيرة، وأخرى متوسطة الحجم وجداريات ضخمة بينالي ليون 2022
  • (حتى ظلالهم لا تنتمي إليهم) تعبير فني يكشف هشاشة العالم الذي يضج بالمسحوقين والمهملين والبشر الذين لا يسمع عن معاناتهم حتى الذين يمرون من قربهم.
  • لعبت والدته دوراً مهماً في تكوينه الفني، وفرشت أمامه الطريق لصقل موهبته
  • صادق الشعراء والفنانين المتمردين في الثمانينيات واختار أن ينتمي للحداثة فناً وفكراً
  • تدرب في ورش الرسم في بداياته وتوّج رحلته بنيل الماجستير في الفنون من أمريكا
  • حصد الجوائز في الفن منذ طفولته واقتنت أعماله كبريات المتاحف العالمية
  • فاز بجائزة بينالي الشارقة 1998 وإنطلق بعدها للعالمية
  • معرض (والضوء بينهما) أحد أكثر تجاربه الفنية نضجاً وتميزاً

أكثر من 12 عملاً فنياً على شكل لوحات صغيرة، وأخرى متوسطة الحجم وجداريات ضخمة شارك بها الفنان الإماراتي محمد كاظم في الدورة الـ 16 من بينالي ليون للفنّ المعاصر الذي أقيم في فرنسا في الفترة من 14 سبتمبر حتى 31 ديسمبر 2022 تحت شعار ” هشاشة العالم” وذلك بدعم من وزارة الثقافة والشباب ودائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي وبالتعاون مع مؤسسة بينالي ليون. وشارك معه أيضاً اثنين من فناني الإمارات هما هاشل اللمكي وشفا غدّار.
شكّل هذا الحدث فرصة مهمة للتعرف على تجربة الفنان محمد كاظم التكنيكية في رسم اللوحة، بعد أن ظل لسنوات ينتج الأعمال المفاهيمية والتركيبية.

محمد كاظم: «جداريــة العمــال»، 400×660 ســم، اكريليــك علــى كانفــاس، القّ يــم الفنــي: ســام برادويــل وتيــل فلــراث، أنجــز هــذا العمــل بمســاعدة الفنــان ســقاف الهاشــمي، بينالــي ليــون، الــدورة 16، بــإذن مــن الفنــان.

راقبناه وهو يعود مجدداً الى أنتاج اللوحة الفنية التي برع في إبداعها في فترة الثمانينيات والتسعينيات، مستعيناً بالألوان والفرشاة والضربات الحرة على الكانفاس. وعلى حد علمي، فإنها سابقة مهمة جداً أن يشارك فنان بـ 12 لوحة في بينالي عالمي من بينها جداريات كبيرة جداً، وهذا يعود الى تميز تجربة هذا الفنان، وأيضا للدعم السخي الذي وجده من دولة الإمارات حيث اعتبرت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب هذه المشاركة لثلاثة مبدعين من الإمارات فرصة مثالية لاستعراض مشاريع الفنانين من الدولة من خلال هذا الحدث العالمي الذي يحتل مكانة مميزة ومرموقة بين الفعاليات الفنية، حيث ترسّخ هذه المشاركة مكانة الإمارات الريادية وحضورها المتواصل والمؤثر في مختلف الأحداث الفنية العالمية، وجهودها في التعريف بالهوية الإماراتية والعربية للجمهور المتذوّق للفنون.

أيضاً قال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: يواصل فنانو الإمارات تمثيل الدولة بفخر في المحافل الخارجية، وتأتي مشاركتهم في بينالي ليون السادس عشر للفن المعاصر لتعكس اعتزازنا بهويتنا وإرثنا الثقافي العريق، ورغبتنا العميقة بمشاركة روائع فنوننا مع العالم.

هشاشة العالم

للتعبير عن شعار المعرض (هشاشة العالم) اختار كاظم أن يرسم جدارية ضخمة لمشهد مجموعة من العمال وهم يستعدون لركوب الباص، حيث عكف على رسمها لأكثر من ثلاثة شهر متواصلة وبشكل يومي في استوديو خاص بمنطقة السركال أفنيو بدبي، وهي الجدارية الأكبر على الإطلاق في تاريخ تجربته الطويلة مع الفن التي تمتد لأكثر من 35 سنة. اعتمد محمد ألوان الأكليريك في انتاج الجدارية، أما في اللوحات الأخرى التي كانت بعنوان (حتى ظلالهم لا تنتمي إليهم) فقد استعان بألوان الأكليريك مع الحبر لإعطاء اللوحة مساحة قاتمة بحيث يرى المشاهد مجرد اشكال آدمية في العتمة بلا ظلال. وهو تعبير فني يكشف هشاشة العالم الذي يضج بالمسحوقين والمهملين والبشر الذين لا يراهم أحد ولا يسمع عن معاناتهم حتى الذين يمرون من قربهم. وبحسب ما تابعناه من ردود الفعل هناك، فقد تميزت المشاركة الإماراتية في هذا البينالي الذي تضمن مساهمات من 87 فنانًا معاصرًا من 39 دولة، ومحوراً زمنياً ضم مئات الأعمال الفنية والمقتنيات التاريخية التي تمتد على مدار ألفي عام وهي مجموعات معارة من عدة جهات فنيّة من مدينة ليون وخارجها؛

كما قدم البينالي تقاطعاً بين محورين إذ يركز في تركيبته هذا العام على حقبة الستينيات أو ما يسمى بالعصر الذهبي لبيروت، كما يسلط الضوء على تشابك ليون التاريخي مع العاصمة اللبنانية مطلعاً جمهوره وعبر عدّة أمكنة في جميع أنحاء المدينة الفرنسية على العديد من الجماليات الفنية التي يشرف عليها أكثر من 50 لجنة متخصصة.
نستغل فرصة هذه المشاركة المتميزة للتعريف بتجربة الفنان محمد كاظم، ورحلته مع الفن طيلة هذه السنوات.

لحظة الولادة الفنية

تفتحت أبواب الفنون البصرية لمحمد كاظم وهو لا يزال صبياً. حدث ذلك في منتصف الثمانينيات تقريباً، عندما عاد الفنان الإماراتي حسن شريف (مواليد 1951 – 18 سبتمبر 2016) من بريطانيا حاملاً دبلوماً من معهد بايم شو للفنون، وعلى الفور بدأ بتنظيم ورش تدريبية للشباب على الرسم في مقر جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة. لاحظت والدة محمد كاظم آنذاك أن ابنها يبدي اهتماماً بالفنون وخاصة الرسم والموسيقى على حساب بقية المواد الدراسية، وكانت تبحث له عن مركز أو جمعية في دبي قريباً من بيتهم لصقل مهاراته فلم تتوفق في ذلك، ولعبت الصدفة دورها عندما سمعت أن أحد أقاربها يذهب يومياً الى الشارقة بالسيارة في الفترة المسائية، فاقترحت عليه أن يقوم بتوصيل الابن وهو في عمر 15 عاماً الى الجمعية لتلقي دروس الرسم على أن يجلبه معه في طريق عودته.
على يد حسن شريف وآخرين من أساتذة الجمعية، تعرف محمد كاظم في بداياته على أصول بناء اللوحة، وكيفية رسم المنظور وقياس الأبعاد والرسم بالأبيض والأسود أولاً، ثم تدرج الى استخدام الألوان الزينية والمائية لرسم الطبيعة الصامتة، ثم تنقّل بين المدارس من الواقعية الى الانطباعية الى التكعيبية والتجريدية. فصار يرسم لوحاته مقلداً أساليب ماتيس وفان جوخ. حدث ذلك في المرحلة من منتصف الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات، وبالأخص عندما أسس حسن شريف المرسم الحر في دبي التابع لوزارة الشباب والرياضة 1987. وكان يقع في منطقة قريبة من بيت محمد كاظم فصار سهلاً عليه الوصول للمرسم والاستغراق في هذا العالم الساحر.

مع الشعراء

أحب الصبي محمد كاظم الموسيقى، وحصل بدعم من أحد الأقارب على آلة الغيتار وبدأ يتدرب على العزف، ثم رسم الآلة بحب باستخدام التقنيات التي تعلمها حيث ستصبح لوحة الغيتار هذه أول عمل حقيقي له لدخول عالم الفن البصري. في معرض عام 1986 للفنانين الإماراتيين الشباب، حصلت لوحة (جيتار-1986) على المركز الأول. لاحقًا، ممثلاً لبلده لأول مرة، سافر محمد إلى الكويت، حيث فازت اللوحة نفسها مرة أخرى بالمركز الأول لمسابقة الرسم لفناني دول مجلس التعاون الشباب.

1998 سم،55.4×75 محمد كاظم: “إمرأة مستلقية”، باستيل على ورق،

محمد كاظم: “طبيعة صامتة”، ألوان مائية على ورق، 40×30سم، 1986.
محمد كاظم: “بورتريه شخصي”،باستيل.

1989 سم،90×90 ” , المرسم الحر، زيت على قماش،1محمد كاظم: “مشهد

1990 محمد كاظم: سلسلة “مشهد من الحديقة”، زيت على قماش،

لم تتح لمحمد فرصة الدراسة الأكاديمية، لكنه تدرب في عشرات الورش الفنية التي تقدم الدروس النظرية والتطبيقية ومن هذه الورش والقراءات والمتابعات تعرف على الفلسفات القديمة ومدارس الفن ونظرياته من العصور الكلاسيكية الى الحداثية. زادت مشاركاته في المعارض الجماعية للشباب، وصار يحصد في كل عام الجوائز على مستوى مسابقات مجلس التعاون الخليجي للرسامين الشبّان. وفي الوقت نفسه، كان شاهداً على معركة الحداثة وصراعها مع القوى التقليدية في مجتمع الإمارات، حيث واجهت الأطروحات الجديدة في الفن مقاومة شرسة من دعاة التقليد الى حد اتهام أصحابها بتخريب الذائقة. لكن كاظم، الذي أصبح صديقاً للشعراء من مثل أحمد راشد ثاني ونجوم الغانم وعادل خزام وخالد البدور وخالد الراشد ويوسف أبولوز وعلى العندل وبقية أسماء شعراء الحداثة والفنانين المتمردين، أدرك أن التجديد هو الفضاء الذي يمكن أن يمنحه الحرية في بناء وتكوين صوته الفني الخاص. أيضاً، بعد أن نضجت تجربته حصل محمد على منحة دراسية من مؤسسة الإمارات للأعمال الخيرية لاستئناف دراسته للفنون على مستوى الدراسات العليا في جامعة الفنون في فيلادلفيا في الولايات المتحدة وحصل منها على شهادة تعادل درجة الماجستير في الفنون في العام 2016

في قلب الحداثة

تطورت لوحات محمد كاظم تدريجياً حتى وصلت إلى ذروتها في بداية التسعينيات، عندما قدم مجموعة كبيرة من الأعمال التجريبية مستخدماً الألوان الزيتية والباستيل، واعتمد على الخدش المنمنم، وضربات الفرشاة الايقاعية الشبيهة بالعزف، وغيرها من التقنيات الجديدة من أجل تفكيك الشكل التقليدي للوحة وهدم المفهوم التقليدي للرسم الذي تعلمه في تلك الورش. اختار محمد أن يكسر الأطر الجاهزة، مفضلاً اكتشاف ما ينتج أثناء “اللحظة الفنية”. وفي ذلك عثر على وميض من روح الانطباعية. ثم لاحقاً، وبدلاً من الفرشاة، وجد محمد نفسه يستخدم أدوات حادة، المقص، السكين، الرمل، التصوير بالكاميرا، أجهزة قياس المسافات (جي بي إس) وفي النهاية فُتح له باب التجريب بالكامل.
لم يحصر محمد نفسه في حدود الرسم، فبعد أن شارك في جميع معارض الفنانين الشباب وفاز بالمركز الأول في كثير منها. بدأ هو نفسه بتدريب الشباب وأصبح عضوًا في لجان التحكيم في معارض الفنانين الشباب في فئته العمرية. في عام 1999، أصبح محمد المشرف على مرسم دبي للفنون، وبدأ في توجيه وتقديم ورش عمل فنية للشباب في الإمارات. وفي تلك الفترة، أصبحت الإمارات واحدة من أكثر الدول تطوراً في العالم. كان هناك انفجار في الحداثة والعمارة المتقدمة والعمران، وامتد أثر هذا التحول ليمس تفاصيل الحياة اليومية. وعلى الرغم من عدم وجود جامعة للفنون، شهدت الساحة الفنية البصرية في الإمارات طفرة غير مسبوقة في منطقة الخليج بأكملها. ومن أهم المبادرات التي أدت إلى تلك الطفرة هي الخطوة العملاقة التي اتخذتها حكومة الشارقة في عام 1993، بتنظيم بينالي الشارقة الدولي الأول بمشاركة مائة فنان من حول العالم، بالإضافة إلى فنانين مواطنين وعرب مقيمين في الإمارات. في نفس الفترة الزمنية تلك، نمت إمارة دبي في المجال الاقتصادي العالمي، وبعد عام من افتتاح الشارقة للبينالي، تم تنظيم مهرجان دولي للفنون في فندق كراون بلازا في دبي والذي تضمن أعمالاً حديثة ومتقدمة لفنانين مهمين من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، ولعب المجمع الثقافي في أبوظبي دوراً أساسياً في اكمال مشهد التحول الفني باستقبال المعارض المتخصصة لأشهر الفنانين من العالم، وصار محمد وسط هذا الفضاء يستقبل موجات الحداثة بكل ما تحمله من أطروحات جديدة ومغايرة وصادمة. وصارت الإمارات في قلب المشهد العالمي للفنون.

الروح المتحررة

وجد محمد نفسه فجأة في سوق عمالقة الفن العالميين. أدرك أنه لم يعد قادرًا على التعبير عن مخاوفه كفنان معاصر من خلال الرسم. وفي حين أن الرسم التقليدي قد يكون كافياً لعامة الناس أو الأشخاص ذوي التفكير التقليدي والمحافظ، إلا أنه أصبح قديمًا في الدوائر الدولية التي تبحث عن المغايرة والإدهاش. سعت الروح الجديدة للفن إلى تحرير نفسها من الإطار الكلاسيكي. فجأة بدأ محمد في تقديم أعمال الفيديو والأعمال التركيبية المفاهيمية على حساب التكنيك اللوني الذي يجيده باحترافية عالية. سرعان ما امتص روح هذه الثورة الفنية ودخل في عالمها الشاسع. قاده ذلك إلى البحث داخل نفسه عن لغة جديدة، والتي وجدها في الفن المفاهيمي، وهي مقاربة مكنته من التعبير عن نفسه من خلال أدوات جديدة ومتغيرة باستمرار. وزاد من تعميق تجربته أنه كان عضوا في جماعة (الخمسة) التي أسسها حسن شريف وكانت تضم حسين شريف ومحمد كاظم ومحمد أحمد ابراهيم وعبدالله السعدي. حيث لم تكتفي هذه الجماعة بإنتاج الأعمال ولإقامة المعارض الفنية التجريبية والمفاهيمية، بل ذهبت الى التنظير لأفكارها بمجموعة من المقالات وكتاب بعنوان (الخمسة).

بعد التوجه نحو المفاهيمية، قدم محمد سلسلة من الأعمال التي استخدم فيها الأوراق والصور والتسجيلات وأجهزة قياس المسافات والإحداثيات. لم يمض وقت طويل حتى توج محمد هذه التجارب بالفوز بالجائزة الأولى لفن التركيب في بينالي الشارقة 1999. كانت القطعة الفائزة هي حفنات من الرمال المأخوذة من بيئات مختلفة في الإمارات: الرمال البيضاء للشواطئ، والرمل الأصفر الناعم للصحراء، والحجارة من الجبال والريف وحتى الرمل من الشوارع. جمع محمد كل هذه العناصر وعرضها في أكوام صغيرة على الأرض.

1998 محمد كاظم: “مجموعة من رمال بيئة الإمارات”، العمل الحائز على بينالي الشارقة،

وبعد حصوله على هذه الجائزة المرموقة، بدأ محمد في المشاركة في أهم المعارض الفنية حول العالم، منها بينالي هافانا (2000) ومنتدى لودفيج (2002) وبينالي مسقط، والعديد من المعارض الفنية الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة.

“اتجاهات 2002 – 2005

في الفترة من 2002 الى 2005 انتج محمد سلسلة طويلة من الأفكار والأعمال تحت عنوان واحد هو (اتجاهات)، راصداً طبيعة علاقاتنا ببعضنا البعض، وخصوصيات العلاقة بين الهوية الإنسانية وموضوع الاغتراب سواء داخل الجغرافيا او داخل الذات. ان عناصر الزمان والمكان هي التي تحدد هويتنا وشخصيتنا، لكن هل الإنسان محكوم بالانتماء الى بقعة جغرافية بعينها. ام هو كائن متغير وقادر على تجاوز الحدود لكي يصبح كائنا عالميا او كونيا ينتمي الى المستقبل والحرية والانفتاح. كائن قادر على التواصل بين إخوانه البشر والتكيف معهم حتى لو كان غريبا في شكله ولون جلده ومرجعياته الثقافية. بل ان العمل يطرح فكرة مخيفة عن الإنسان الذي يحاول البقاء في مكانه الى الأبد، من غير أن يحسب حساب تيارات التغيير والتطور التي تهب على البشرية. ان الانتماء الى المتغير هو الأصل. بينما التشبث بالأشياء والأفكار الثابتة يؤدي الى التأزم والعنف.

وتمثل شكل هذه التجربة أول مرة بقيام الفنان بجمع قطع من الخشب بحجم (30×30سم) نحتت عليها الأرقام والحروف وإحداثيات خطوط الطول والعرض ومستوى ارتفاع سطح البحر للمنطقة الشرقية من دولة الإمارات العربية المتحدة. وتحديدا في المكان الذي يطل على بحر العرب. وألقيت هذه القطع في مياه المحيط من القارب الذي استقله الفنان من اجل هذا الهدف. ومازالت هذه القطع تسبح وتخترق جغرافيات مختلفة بفعل الأمواج والتيارات البحرية، واحتدام الريح والأمطار. ولكي لا يظل العمل متروكا في التلاشي والفراغ، جاءت فكرة الجزء الأخير الذي يعبّر عن حالة فقدان وضياع هذه القطع حين رمزت لها باللوحة البيضاء ذات الفضاء الواسع ودلالاتها اللانهائية. أي ان دائرة العمل أقفلت في اتجاهات 2005.
من فكرة الاتجاهات أنتج اعمالاً أخرى من بينها عمل فني في سقف سيارة الرولز رويس، عندما اختارته هذه الشركة لينتج عملاً فنيا وتم انتدابه الى مصنع الرولز رويس في بريطانيا لهذا الغرض. أيضا قدم محمد عملا مستوحى من نفس الأفكار في مبنى جناح الإمارات في معرض إكسبو دبي 2020.

بينالي البندقية 2013

ذروة العمل على فكرة (الاتجاهات) تمثلت بالعمل الرائع الذي قدمه في جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية 2013، بعنوان (السير على الماء) حيث تكوّن الجانب البصري في العرض من غرفة مصغرة هي نموذج مصغر(ماكيت)، مساحة قطرها 100سم. يستطيع المشاهد من خلال النظر عن طريق الفتحة الموجودة في هذه الغرفة الاسطوانية الشكل، ان يرى صورة مضاءة لمشهد افقي مستدير بزاوية 360 ْ، وفي ارضية الغرفة ارقام مضاءة هي عبارة عن إحداثيات جغرافية، (زمن، تاريخ، وارتفاع منسوب سطح الماء). لكن الفكرة الأكبر هي بناء غرفة كبيرة يمكن للمشاهد الدخول إليها، وداخلها يتم عرض فيلم مدته أقل من دقيقة واحدة بحيث يتم توقيت زمن الفيلم مع زمن الإحداثيات الرقمية للمكان، والفيلم يعرض مشهد الافق بشكل دائري، الامر الذي يتطلب وجود شاشة عرض مستديرة توضح المشهد بزاوية 360 ْ، بحيث تعطي صورة كلية للمكان حول القطعة الخشبية. فالفكرة تكمن في أن المشاهد الداخل الى هذه الغرفة يشعر بأنه هو القطعة التي تتحرك على سطح البحر وتخترق الخطوط الجغرافية التي رسمت على الخرائط والتي تتغير من زمن الي آخر نسبة لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في وجودنا المتغير دائما.

2013 , حقوق الصورة: بينالي البندقية،2013 ”، تجهيز مع فيديو وصوت،2005-2013 محمد كاظم: “اتجاهات:

قال لي محمد في أحد اللقاءات: أغلب أعمالي هي عبارة عن مشاريع ضخمة تحتاج الى منشآت ومؤسسات لتشييدها. دائما أبدأ برسم العمل ومخططاته وتصوراته على هيئة دراسة للمشروع. وتصاحبه المادة النظرية حول فكرة العمل ودلالاته ورمزيته. لا يكفي تقديم العمل مجردا من غير شرح إلا إذا كانت الفكرة تستدعي ذلك. وبعد وضع المخططات وشرح الأفكار، تأتي مرحلة البحث عن الطرق الجديدة في التنفيذ والعرض. وخلال البحث تطرأ الأسئلة وتتفتح الاحتمالات ويحضر الجمهور أيضا كعنصر مشارك في العملية الإبداعية. وتلي هذه الخطوة مرحلة اختيار القيّمين على العمل او المعرض، وفيما بعد يتم اختيار المتخصصين والمحترفين في مجالات عدة ليسهموا في تقديم التصور النهائي لإنجاز العمل بالشكل المطلوب والمحافظة على ميزته الجمالية.

والضوء بينهما

تعود صداقتي مع محمد كاظم الى العام 1986، ونحن نتشارك في أشياء كثيرة من بينها حب الموسيقى وآلة العود، وفي هذا العام فقط قدمنا لأول مرة تجربة فنية مشتركة بعنوان (والضوء بينهما) الذي استضافه المجمع الثقافي في يوليو 2022 وهو معرض مشترك لنا كشاعر وفنان، اشتمل على 53 عملًا ورقياً تزاوج بين الشعر والفن، ويقدم موضوع «الضوء» من خلال سلاسة الشعر وتقنية الورق المخدوش.

عادل خزام “شعر”، من معرض “والضوء بينهما”، المجمع ومحمد كاظم : “خدوش على ورق” 2022 الثقافي بابو ظبي،

ويتجلى في هذا المعرض وئام تفاعلي بين الأشكال والشعر، يُعبر عنها بتشابك بليغ وسلس بين الكلمات والخدوش المتكررة، وهو مزيج يومئ أيضاً بصوت الورق الذي يُمكن للجمهور أن يلمسه عبر الأعمال ككل ليربطه بالإيقاع الشعري والمعرض يجسد الصداقة التي استمرت 35 عاماً بيني وبين كاظم، حيث تربطنا أيضاً علاقة فنية قوية وفهم عميق أفضت عقود من الأحاديث واللقاءات الشخصية بيننا كشاعر وفنان حولا «الضوء» ومعانيه العديدة، إلى كينونة هذه المجموعة تحت عنوان «والضوء بينهما» والتي هي انعكاس للضوء والظل في أعمال الصديقين وتجسيدهما على الورق كوسيط يعرض الكلمات الشعرية ويجسّد التعابير الفنية. وأشرفت على المعرض الفنانة المعروفة ريم فضة وتابعت تنفيذه القيمة الإماراتية عائشة الحميري.

محمد كاظم: عمل من سلسلة اتجاهات.

ما يميز هذه التجربة الثرية، هو تنوّع الأفكار والاساليب التي يعتمدها كاظم. من بينها تجاربه المتميزة في خدش الورق بالمقص، ولوحاته في (لملمة الضوء) وأعمال تركيبية مختلطة ما بين اللون والشكل والممارسة الفنية. وهو أيضا فنان منظم إدارياً، قام بجمع وتدوين أرشيفه الشخصي كاملاً بالمقالات والمشاركات الخارجية في معظم بيناليات العالم.

ولديه سجل دقيق وكشف بكامل أعماله الموجودة والمقتناة في متاحف العالم ومن بينها جوجنهايم في نيويورك، وبمبيدو في اسبانيا. ولديه أيضا غاليري خاص يمثله هو غاليري إيزابيل فان دين في منطقة السركال في دبي، وغاليري آخر في أوروبا تشرف عليه الفنانة والقيمة الشهيرة الدكتورة دروثيا كيولين.

الكتاب

شاعرٌ وأديبٌ من جيل الثمانينيات في الإمارات، صدر له العديد من الكتب عن الفن والشعر والمسرح والرواية.

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.