الأرجوحة
عمل فني يستلهم فترة ما قبل النفط وموسم استخراج اللؤلؤ بالتحديد، حيث اعتادت النساء انتظار عودة أزواجهن بلهفة على الشاطئ. ومقارنةً باليوم، يوفر العمل مساحةً صغيرة للاستراحة ترحب بالعائلات للجلوس معاً وقضاء بعض الوقت في تأمل الازدهار والتطور الذي حققته دولة الإمارات، وتحديداً في “جزيرة النور” بإمارة الشارقة. إن المواد الحديثة والقديمة المستخدمة في العمل تمثل الماضي والحاضر. يمكن للزوار رؤية الأنماط والظلال المستلهمة من شجرة النخيل والغاف مع قطع الفولاذ المجردة التي تمثل أفرع النخلة، مما يعكس مفهوم وفكرة العمل الفني.

“الفن هو صناعة الجمال والبهجة، والتعبير عن الذات الإنسانية ومكنوناتها، وهو ترجمة لفكر الفنان وثقافته، ويسهم الفن في صناعة الحضارات وإضفاء الهوية، وهو أسلوب حياة ووسيلة اقدر من خلالها التواصل مع المجتمع”.(1)

عزة القبيسي

عزة القبيسي
فنانة ونحاتة ورائدة في مجال تصميم وابتكار المجوهرات

تحرص الفنانة عزة القبيسي على عدم استنزاف طاقتها الكامنة سدى، إنما تسعى إلى التجريب والابتكار وتعزيز مهارتها، فالمقدرة الإبداعية هي التي تميز الفنان الحقيقي، والإنتاج الفني الصادق يأخذنا إلى أعتاب عالم جديد لم نعهده بعد. ترتكز الفنانة في تجربتها الإبداعية على المؤثرات الحضارية وموروثها الثقافي والبيئة الإماراتية، فتتسم أعمالها بروح الأصالة، بإضفائها لبعض التغييرات على العمل الفني، سواء كانت بالنسب أو العلاقات أو التحويرات، فتحول بذلك المجوهرات التي تصممها، والتي هي كناية عن تحف صغيرة، نرتديها، الى مجوهرات كبيرة تحتوينا ، نغوص في داخلها ، نتلمس عالم من الابداع والجمال تحيلنا اليه الفنانة.

الأصالة والمعاصرة

تعد الأصالة أحد مقومات التفكير الإبداعي الأساسية، وهي تتحقق من خلال تلاؤم الصياغة والمعالجة وجدية العمل والمفردات والقيم الفنية والخامة. ومن هنا نجد بأن أهم خصائص الإبداع المرتبط بالأصالة عند الفنانة عزة القبيسي هي خاصية “الطلاقة”، أي القدرة على انتاج عدد كبير من الأفكار في وحدة زمنية معينة، لقد انطلقت الفنانة في تأسيس كيانها الفني، من خلال الدراسة الأكاديمية، والنهل من مصادر المعرفة التي تتعلق بالموروث الثقافي، مكونة مخزوناً ورصيداً معرفياً. لتبدأ مسيرتها الفنية بانتقاء رموزها من مصادر المعرفة ومن بينها التراث، بعد أن تبلور فكرها الخاص ومفاهيميها ورؤيتها الفنية. فالمبدع ينهل من المعارف ما يناسب حاجته، يستوعبها ثم يوازنها ثم يقوم بإعادة تنظيمها وفق رؤيته الخاصة.

البيئة الإماراتية

لجأت الفنانة عزة القبيسي إلى تفاصيل الحياة والبيئة الإماراتية، فاتخذت الرموز النباتية التي تتجسد في سعف شجرة النخيل والكرب وغيرها، للوصول إلى تصميم تولفت فيه الخامات، فالبيئة المحلية الإماراتية تزخر بالعديد من العناصر والمفردات التي كانت ولا تزال مصدر إلهام للعديد من الفنانين الإماراتيين.
إن ما يميز الفنانة عزة القبيسي هو عشقها للعمل والإبداع، التي تأتت بعد مرحلة طويلة من الاستعداد الفني والبحث الجمالي والنضج العقلي، إضافة الى توفرأدوات الإبداع، من الخبرة والمدركات الحسية والخامة. تنطلق الفنانة بتصميم تحفها الفنية، المجوهرات، باستخدام رموز خاصة بدولة الامارات، وبالعناصر البيئية، بأسلوب يحافظ على التراث والهوية ضمن إطار الأصالة والمعاصرة. تبدأ صياغتها للمجوهرات من تلألأ الفكرة في ذهنها، لتنطلق يداها للتصميم، وتأتي الخامة كأداة مكملة في نجاح العملية الإبداعية، والكشف عن عمل فني جديد أعد للمثول أمام العالم.
لا تتوقف أعمال الفنانة عزة القبيسي عند الأبعاد الجمالية والتزيينية فقط، بل تحمل أبعاداً إنسانية واجتماعية فهي تهدف من خلال مجسماتها الضخمة والتي تجمع بين هندسة العمارة والنحت والتصميم الفني، إلى ابتكار مساحة تواصل تجمع الناس كي يتفاعلوا مع العمل الفني، وكأنها تريد المشاهد أن يدخل عالم تصاميمها الفنية لا أن يرتديها فقط. معتمدة على إثراء القيم الشكلية للعناصر والخامات المستخدمة، وتوليفها في وحدة واحدة، لها كيان جديد ومبتكر.

عزة القبيسي: مجموعة (الأبدية)، مجوهرات.
عزة القبيسي: مجموعة (الحياة)، مجوهرات.
عزة القبيسي: مجموعة (برق العود)، مجوهرات.

مسيرة ريادية

تستمد الفنانة عزة قبيسي رؤيتها الإبداعية من خلال عشقها للبيئة المحلية والصور التي انطبعت بها نشأتها في ربوع إمارة أبو ظبي، وهي تحاول ان تجسد في أعمالها تأثرها بها الى جانب تمسكها بأصالة وماضي بلادها وعراقة تراثها. وهي تسعى من خلال أعمالها إلى خلق الوعي حول الطبيعة، والموروث الثقافي والهوية الوطنية لدولة الامارات، وإلى نشر مفاهيمها المتعلقة بالبيئة والتراث الاماراتي من خلال أعمالها الفنية ومجوهراتها.
عزّة القبيسي فنانة ونحاتة إماراتية ورائدة في مجال تصميم وابتكار المجوهرات، تلقت تعليمها في لندن، وحصلت على دبلوم الدراسات التأسيسية من “كلية تشيلسا للفنون والتصميم”، وعلى بكالوريوس الآداب مع مرتبة الشرف في صياغة الفضة، وتصميم المجوهرات والحرف المصاحبة من “كلية جيلدهول” في العاصمة البريطانية، عام 2002، لتكون أول مصممة مجوهرات إماراتية متخصصة في هذا المجال، بجانب حصولها على شهادة تقييم الألماس من معهد HDR للأحجار في أنتورب-بلجيكا. وأكملت بعدها دراساتها العليا لتحصل على ماجستير في الصناعات الثقافية والإبداعية من كلية التقنية العليا، أبوظبي، عام 2012.
بدأت مسيرتها الفنية بتشجيع من عائلتها، ويعتبر والدها من هواة جمع الأحجار الكريمة. وتعلمت خلال سنوات الدراسة في “كلية تشيلسي” العمل بوسائل متنوعة وباستخدام مواد مختلفة، فشعرت آنذاك أن تصميم المجوهرات هو الخيار الأنسب لها وبأنها ستستطيع من خلاله الوصول إلى شريحة واسعة من أبناء مجتمعها، وبشكل خاص النساء، لكنها اصطدمت بالواقع الذي كان مختلف تماماً، لأن الذوق العام كان لا يزال تقليدياً من جهة اقتناء المجوهرات، فلا ينظر إليها في كثير من الأحيان على كونها تحفة فنية ذات قيمة إبداعية وأبعاد إنسانية.
لكن هذا شكّل عندها نوع من الإصرار على تغيير النظرة السائدة لمفهوم المجوهرات واستبدال قيمتها المادية بإضفاء أبعاد روحانية وعاطفية لها. تقول الفنانة عزة القبيسي: “تتمحور إحدى مجموعاتي حول موضع العود، لم يكن ارتداء خشب العود مقبولاً أو رائجاً، فكان أن شكّلت المجموعة صدمة لدى الجمهور عندما عرضتها للمرة الأولى”.(2)

أرجمست

أسّست الفنانة عزة القبيسي محترفاً لتصميم المجوهرات أطلقت عليه تسمية “أرجمست ARJMST “، وهي تسمية مركّبة ذات دلالة خاصة بالنسبة إليها ومكوّنة من الأحرف الأولى من اسمها وأسماء إخوتها وأخواتها.
كانت الفنانة تظن بأنه من غير اللائق أن تطرح اسمها كونها تنحدر من بيئة محافظة، لكن سرعان ما أخذ ذلك الأمر بالتلاشي، وذاع صيتها في عالم الفن من خلال مشاركتها في المعارض الفنية وأصبح اسمها متداولاً. وتندرج تحت علامتها التجارية المتميزة، مجموعات من المجوهرات الفنية ومنها: “الأبدية”، “الإمارات”، “الصدى”، “دموع الملائكة” التي تحكي بدورها قصة رحلة البحث عن اللؤلؤ في الخليج العربي. فخلال فترة وجيزة، بدأت ابتكارات عزة القبيسي في تصميم المجوهرات تستقطب الاهتمام، لاسيما تلك المتمحورة حول عناصر من البيئة الإماراتية، كالصحراء والبحر واللؤلؤ والعود…
أسست الفنانة عزة القبيسي عام 2006، أول مشروع ريادي لدعم وترويج الحرف والمواهب المحلية، وهو غير حكومي وغير ربحي، باسم ” صنع في الامارات للهدايا التذكارية”، بهدف زيادة الوعي تجاه التراث والصناعات الحرفية المحلية، وتطوير برنامج للتبادل الثقافي الحرفي من خلال عرض المنتجات الحرفية من مختلف أنحاء العالم. قامت الفنانة عزة القبيسي بتصميم هدايا وجوائز عدة، في “المعمل العربي للمجوهرات والأحجار الكريمة”، التي أسسته وأطلقت عليه “أرجمست”، ومنها جائزة “مسابقة شاعر المليون” وجائزة “مهرجان أبو ظبي السينمائي” إضافة الى جائزة مهرجان سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان العالمي للخيول العربية الأصيلة.
وفي عام 2011، أطلقت الفنانة عزة القبيسي مبادرة محلية في مدينة زايد- المنطقة الغربية تحت تسمية “لمسة إبداع” تقوم من خلالها بتدريب مجموعة من الخريجات في مدينة زايد في مجال التصميم وصياغة المجوهرات، لتقوم هذه المجموعة من المواهب الإماراتية بدورها في الإسهام في رفد الساحة المحلية بتصاميم إبداعية مستوحاة من التراث والبيئة المحلية وتطوير المنطقة الغربية بفكر إماراتي واعد بالتعاون مع الجهات المختصة في المنطقة. حازت الفنانة عزة القبيسي على عدة جوائز مميزة ومنها جائزة “أفضل امرأة عربية للعام 2010” عن فئة تصميم المجوهرات، من مجلة “لوفسيال”، و”جائزة الامارات للسيدات”، عام 2011، عن فئة سيدات الأعمال.
كما أنها عرضت نتاجها الفني محلياً ودولياً في معارض فردية وجماعية، مثلت دولة الإمارات في مهرجان «1001 خطوة» في فنلندا في 2004، وكانت الفنانة الأولى التي تقيم معرضاً في مركز دبي المالي العالمي في 2005، كما شاركت في معرض «لغة الصحراء» في أبوظبي «ثلاثة أجيال» والعديد من المعارض.
إن المتتبع لمسيرة الفنانة عزة القبيسي، يلاحظ مدى تطورها ونموها، بدءاً بتصميم قطع المجوهرات الفنية، ووصولاً الـى الأعمال الفنية في الأماكن العامة.
وقد اتخذت من دراساتها الاكاديمية نقطة ارتكاز لتنطلق منها في تنمية مهاراتها وامكاناتها، مستخدمة بتجاربها مواد مختلفة. تتنوّع الخامات التي تطوعها الفنانة عزة القبيسي من أجل ابتكار تصاميمها، لتشمل مفردات وعناصر من البيئة المحلية وبشكل خاص سعف النخيل، إضافة الى الأحجار الكريمة، الجلود، البلاستيك، المواد الطبيعية، المعادن الصناعية، الإسفلت، الصدف الأحفوري، عظام النوق وقوارير البخور، الفولاذ، الماس، اللؤلؤ، الذهب والفضة، وقطع الحديد الصدئ، الخامة الأقرب الى قلبها فهي تشبه الحديد بالعنصر الحي، والذي من خلاله تستطيع رصد تطور الزمن ومرور الأيام.

عزة قبيسي وأبجدية الحب والحياة

اختارت الفنانة عزة القبيسي سعف النخيل لمكانته في التراث الإماراتي، لابتكار مجسمات ضخمة في عملها الفني “أبجدية الحياة” والذي يعكس تطور تجربتها، من ابتكار قطع فنية صغيرة الى صنع مجسمات كبيرة يتفاعل معها الجمهور، استخدمت القبيسي مادة الحديد في تنفيذه إلى جانب “الكربة” كرمز بيئي وهي الجزء الأملس من سعف النخيل، بتقنية ثلاثية الأبعاد في مجسم يصل ارتفاعه إلى 4.5 أمتار، وقطره 3.5 أمتار، أما أرضيته والتي صممتها على شكل حلزوني فهي ترمز الى تطور الحياة واستمراريتها.

عزة القبيسي: “أبجدية الحياة”، 3×3 متر، حديد، 2018 .

أرادت القبيسي من المشاهد أن يتفاعل مع عملها فهو يستطيع ان يسير داخله، ويراقب تسلل الضوء من بين خروقاته تماماً كما يتسلل الضوء من بين الأغصان. تقول عزة عن تطور تجربتها ” لم أعد أرى نفسي في حجم المجوهرات كمادة، انتقلت إلى المجسمات وتغيرت معها أحجام الأعمال”. وفي عمل آخر “أساس الحب”، تجسد القبيسي فيه خطوط الصحراء بانسيابيتها منطلقة من قاعدة تحتوي على كلمة “حب”، ويعكس هذا العمل ارتباط الفنانة الوثيق ببيئتها وحبها للصحراء، والتي دأبت على التقاط صور لكثبانها منذ أيام دراستها، فقد كانت أول مكان تذهب اليه عند عودتها في الإجازة من لندن. الأمر الذي جعلها تبتكر مجموعة من المجوهرات بتقنية صناعة الفضة Silversmithing، لإضفاء مسطح ثلاثي الأبعاد، فهي أرادت أن تشعر بأن الصحراء تعانقها دائماً. وهذا يعكس مدى ارتباطها بالمادة. تشير القبيسي إلى أن الصحراء بالنسبة لها ليست أيقونة جمال فحسب، بل هي مجموعة قصص تنسج في طياتها، تمسح وتكتب من جديد مع كل إشراقة شمس. تسعى عزة من خلال أعمالها الى خلق الوعي حول الطبيعة الفريدة لدولة الإمارات والهوية الوطنية

الخلوة: عزلةٍ مؤقتةٍ عن العالم الخارجي

عمل فني يطرح تساؤلات عن ماهية الوجود، ويعزز روح التأمل ويدعو إلى التصالح مع الذات، من خلال عزلةٍ مؤقتةٍ عن العالم الخارجي المادي. استشَفَّت الفنانة أبعادَ هذا العمل من المغارة الذي أَنْزَلَ الله فيه القرآن الكريم على الرسول محمد، يتكوّن العمل الذي يأتي مربّعاً من الخارج ومتموِّجاً من الداخل من شرائح حديد وخشب بتدرجات متواصلة في الإضاءة، في إشارة إلى الزمن وتعاقب الليل والنهار، الشروق إلى الغروب، كما أنّ الإضاءة تتدرّج أيضاً في الفضاء الداخلي، في دلالة على خلوةٍ مصغَّرَةٍ مع الذات. أما القطع الزخرفية فهي مصنوعة من كرب النخيل. عرض العمل ضمن فعاليات النسخة الـ24 لمهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة، تحت شعار “تدرُّجات”

2021 عزة القبيسي: “الخلوة”، حديد وخشب،
2022 متر، حديد وخشب، 4×4.2×9.2 عزة القبيسي: “ميم: بين السطور”،

“ميم” بين السطور

“ميم” هو عمل فني مستوحى من جمالية فن الخط العربي وخاصيتي التوازن والاتساق، وهو يتيح للمشاهد التفاعل مع الحرف العربي، وخوض تجربة الحركة بين الخطوط التي تتولّد أثناء الدوران حول العمل، ويتكون العمل من جزأين: جزء واحد حلزوني حيث يمكن للمشاهد أن يمشي عبر مساحة مفتوحة بين الطبقات للوصول إلى قلب العمل، وهي مساحة يمكن للمرء أن يركن فيها إلى العزلة، ‏أما الجزء الثاني فهو المكان الذي يقترب فيه الخطّ من الأرض قدر الإمكان لإنشاء منحنى آخر مفتوح للحرف مما يخلق قوس طبيعي منحن غير متماثل ‏للسماح للمشاهد بالسير من تحته، وقد عرض في ساحة الخط بالشارقة، على هامش ملتقى الشارقة للخط. والعمل مصنوع من الحديد المتأكسد مع البيئة الموجود فيها، والفكرة مبنية على الشعار الأساسي لملتقى الخط وهو “الارتقاء”.

1. عزة قبيسي: “مقابلة شخصية، مسجلة، 18/3/2020، الشارقة.

2. عزة قبيسي: “مقابلة شخصية”، مسجلة، 18/3/2020، الشارقة.

رئيسة التحرير

مؤرخة فنية وقيّمة، رئيسة تحرير مجلة التشكيل، حاصلة على درجة دكتوراه بامتياز في "الفن وعلوم الفن"، وماجستير في الفنون وماجستير في فلسفة الفن ودبلوم دراسات عليا في الفن والتصميم، نشرت العديد من الكتب وحاضرت على نطاق واسع حول فنون الحداثة وما بعد الحداثة والجماليات الفنية المعاصرة، وفي جعبتها العديد من الكتب المنشورة التي تؤرخ وتوثق من خلالها الفن في العالم العربي

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.