الجماعة هي نسق تنظيمي مكون من مجموعة أفراد يرون في توحدهم القدرة على تحقيق دوافعهم واحتياجاتهم وأهدافهم الخاصة، في ظل تفاعل اجتماعي وثقافي وفني، يشمل أهدافاً مشتركة واتصالاً مباشراً، وإمكانية التأثير والتأثر، بالإضافة إلى النشاطات الفنية المشتركة من معارض وغيرها. ارتبطت الحركات الفنية والفكرية على امتداد التاريخ، ارتباطاً وثيقاً بمفهوم “الجماعة” وب”المنظر” لها في الكثير من الأحيان. وقد أثرّت الجماعات الفنية في العالم الغربي بشكل كبير على تطور الفن وظهور المدارس الفنية كالدادائية والسريالية وغيرها. كما ساهمت في تنمية الوعي الثقافي والبصري والجمالي. تأتي هذه الممارسات أيضاً بتأثيرها على الحركة الفنية في العالم العربي، وخاصة في مصر والعراق.
وقد كان لدولة الإمارات العربية المتحدة دور ريادي في مجال تكوين الجماعات الفنية منذ بدايات الحركة الفنية المحلية، وبعد إشهار جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، بحكم وجود العديد من الفنانين المقيمين من الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى الفنانين من أبناء الدولة الذين كانوا قد أنهوا دراستهم الأكاديمية في الخارج، سواء في الدول العربية أو الأوروبية أو اميركا، فقد توالت في الظهور العديد من الجماعات الفنية التي تكوَّنت في زمن قياسي، منذ بداية الثمانينيات، كمنطلق لتشكيل الوعي الفني والجمالي والثقافي.
يتمحور هذا العدد من مجلة “التشكيل” حول موضوع “دور الجماعات الفنية في تطور المشهد الفني في العالم العربي”. تمثل الجماعات الفنية قوة محورية في تحفيز التطور الثقافي والفني في العالم العربي، وتشجع على التعاون والإبداع وتعزز التواصل بين الفنانين والمجتمع، مما يساهم في إثراء الثقافة وبناء جسور فنية قوية بين الثقافات.
تأسست الجماعات الفنية في العالم العربي منذ مطلع القرن العشرين كرد فعل إبداعي على التحديات الثقافية والاجتماعية التي كانت تواجه المجتمعات العربية. قام فنانون ومثقفون ملتزمون بتطوير الفنون والثقافة في المنطقة، بتأسيس هذه الجماعات. شملت أهدافها تعزيز التواصل والتبادل الفني، وتشجيع الإبداع والابتكار، والتوعية الجماهيرية بالفنون والثقافة البصرية.
تسعى مجلة “التشكيل” من خلال جهود الباحثين الأكاديميين، بعضهم من مؤسسي هذه الجماعات، إلى تحقيق رسالتها وهدفها بتوثيق الفن في العالم العربي، بكامل تاريخه، منذ البدايات ومراحل التأسيس، وصولاً إلى الوضع الراهن وإشكالياته، بالإضافة إلى تحليل تأثير الفن والثقافة العربية بشكل أعمق، مما يسهم في تعزيز فهم أفضل للهوية الثقافية العربية.
مؤرخة فنية وقيّمة، رئيسة تحرير مجلة التشكيل، حاصلة على درجة دكتوراه بامتياز في "الفن وعلوم الفن"، وماجستير في الفنون وماجستير في فلسفة الفن ودبلوم دراسات عليا في الفن والتصميم، نشرت العديد من الكتب وحاضرت على نطاق واسع حول فنون الحداثة وما بعد الحداثة والجماليات الفنية المعاصرة، وفي جعبتها العديد من الكتب المنشورة التي تؤرخ وتوثق من خلالها الفن في العالم العربي