عن «آرت دبي» بنسخته الـ15
التجول في “آرت دبي” يشبه عبور غيمة مكتظة بالأفكار، التجارب الجديدة، الإلهام، وربما الحكايات، والكثير من الحوارات، والأخبار الجيدة عن سوق الفن وعمليات البيع والشراء، إنه تحديداً هذا الضجيج الممتع الذي يمتد عبر المجتمع الفني في الإمارات ككل، والذي ينتظره الفنانون والمهتمون بمجال الفن التشكيلي بكثير من الفضول والترقب لهذه الأيام المحدودة ما بين 9-13 مارس الماضي، حيث أقيم المعرض في مدينة جميرا بدبي بنسخته الخامسة عشرة والأكبر منذ انطلاقه عام 2007، وبمشاركة 100 صالة عرض معاصرة وحديثة من 40 دولة.
توزعت المعارض الفنية والمواضيع في هذه النسخة من المعرض إلى أربع مسارات رئيسة، هي: المعاصرة، والحديثة، والبوابة و«آرت دبي ديجيتال»، وهو القسم الرقمي الجديد والفريد الذي سيكون بمثابة الجسر الرابط بين عالم التشفير الرقمي والفن، إضافة إلى سلسلة من المعارض الشيقة التي تم تكليفها حديثا لفنانين مشهورين عالميا، ومعارض جماعية رائدة وبرامج تعليمية وجلسات نقاشية عالمية.
ضم قسم «آرت دبي المعاصر» في هذه الدورة، 77 صالة عرض من 33 دولة، واستقبل 15 عارضا مشاركا لأول مرة، تتنوع من المشاهد الفنية الناشئة إلى المراكز الدولية الراسخة،
أما آرت دبي الحديث للعام 2022 برعاية سام بردويل وتيل فيلراث، فقدم عروضا فردية لأعمال بجودة المتاحف من قبل أساتذة القرن العشرين من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا. وقسم البوابة، التي تضم حصريا الأعمال المنتجة العام الماضي أو خصيصا للمعرض، برعاية نانسي أداجانيا، وستقدم عشرة عروض تقديمية فردية، بما في ذلك ستة عارضين لأول مرة.
العبور بموازاة الواقع الماطر
الدخول إلى “آرت دبي” لا يمر دون وقفة مشبعة بالمشاعر الجميلة وتساؤلات حول تلك الشاشة الكبيرة المثبتة عند بوابة الدخول في مدينة جميرا، حيث أراد الفنان جيمس كلار خلق حالة خاصة من خلال عمله التفاعلي “البذر السحابي” مقدما تجربة شعورية خاصة تعكس الواقع بصورة ماطرة، تهيئ لك وكأنك تقف في نافذة تطل على موازي تماما، يعكس واقعك بصورة ماطرة. كلّف جوليوس باير “الراعي الرئيسي لآرت دبي” هذا العام وللمرة الأولى الفنان الفليبيني الأمريكي المتخصص في الإضاءة والوسائط جايمس كلار بتقديم فيديو تفاعلي وغامر بعنوان “البذر السحابي” يسلط الضوء على أحدث التوجهات بما فيها التطور الرقمي وكيفية استخدام الفنانين للتكنولوجيا المتقدمة في أعمالهم.
يشتهر جايمس كلار (@JamesClar) باستخدام الضوء والفيديو لتقديم أعمال مؤثرة، وعمله “البذر السحابي” عبارة عن عمل تفاعلي يجمع بين الإمكانات السردية والمفاهيمية للتكنولوجيا، وهو يحاكي قطرات المطر والضباب في الوقت الفعلي، مما يعكس قدرة الإنسان على التحّكم بالبيئة. عاش كلار في دبي لأكثر من سبع سنوات وقال إنه استوحى عمله من آلية البذر السحابي الرائدة التي ُتستخدم لتعزيز الأمن المائي والتنوع البيولوجي في الإمارات.فهو يصّور مقاطع فيدي وحية للزوار في المعرض ويصحبهم في محاكاة بالفيديو لقطرات المطر والضباب، ويستخدم العمل برامج مطورة خصيصا لإنشاء مشهد سينمائي يتحول ببطء ويهدف إلى محاكاة ظروف بيئية محددة.
بعض من حديث يطول..
يجسد عمل الفنانة سودبيتا داث المعنون “انتظار” مجموعة كبيرة من البشر جالسة على رصيف الانتظار، وهو عبارة عن مجسم ضخم، تعرض الفنانة من خلاله مشهدا كثيفا بالحياة رغم بساطة الأسلوب الذي يقترب حسيا من تشكيلات عفوية تقارب عالم الأطفال، إلا أنه يدعوك للتأمل في العبارات التي تبدو وكأنك تسمعها على أفواه الشخصيات داخل المشهد الحي.
وكعادته يضعك الفنان ألفريدو جار في مواجهة مع الأسئلة الاجتماعية والسياسية ربما من خلال أعماله التي ترصد معادلات الواقع لتبسطها حد الامتناع، فيطرح عمله (الثقافة = رأس المال) بالنيون الكثير من الأسئلة التي تدور حول المعنى وتجلياته الاجتماعية على أرض الواقع. أما أعمال الفنانة ميثاء عبد الله فتدعوك للتساؤل حول دلالاتها الرمزية
في تلك اللوحات المجردة من ضجيج اللون حيث اعتمدت على الاختزال اللوني لتركز على استفزاز الأسئلة حول دلالات شخوصها في رمزية الحركة والاستعارات البسيطة والمباشرة التي استخدمتها.
ولعل من الصعب عدم التوقف أمام صراخ الألوان الأفريقية وحرارتها في أعمال الفنانة تونيا ننيجي التي تعتمد فيها أسلوبا فريدا باستخدام الألوان والأبعاد الفنية في اللوحة التي تحمل أكثر من لوحة في آن معا، فبعد الانتهاء من جاذبية الألوان الحارة والتفاصيل الدقيقة التي اعتمدتها في رسم الألبسة والأقمشة متعمدة تعتيم أجساد وملامح النساء داخلها، نكتشف أن ثمة أسلوب آخر في الخلفية يصور مجموعة من النساء المنسيات والغير مرئيات وكأن السنوات مرت وغطت حكاياتهن وأصواتهن، لتتصدر الأقمشة المشهد الحسي والجمالي على حساب المرأة التي تقول الكثير في ظلالها داخل اللوحة بينما تمكث في العتمة.
ترجمة الحراك الفني بالأرقام
حول أهمية وصول هذا الحدث إلى الموسم الخامس عشر وهذه الدورة الاحتفالية أشارت هالة خياط، المدير الإقليمي في آرت دبي، إلى أهمية العودة إلى الموقع الأساسي في مدينة جميرا، حيث كانت الدورة الماضية قد أقيمت في “مركز دبي المالي العالمي” وعن هذه الدورة، قالت: لعل الحديث عن الجانب الاقتصادي في هذا الحدث يعتبر أولوية هنا، فهناك ازدياد ملحوظ في عدد المشاركات من قبل صالات العرض، وهذا يترجم على أرض الواقع على شكل حراك اقتصادي ينعكس على مختلف القطاعات السياحية والخدمية، وهذا ينسجم مع خطة تطوير الاقتصاد الإبداعي والثقافي التي تنتهجها الإمارات في الفترة الراهنة، ولا ننسى امتداد الحراك الفني في مختلف أنحاء الإمارات تزامنًا مع “آرت دبي” حيث تنشط المعارض والفعاليات والبرامج الفنية المكثفة في مختلف المؤسسات ومراكز الفنون، حول أهمية وصول هذا الحدث إلى الموسم الخامس عشر وهذه الدورة الاحتفالية أشارت هالة خياط، المدير الإقليمي في آرت دبي، إلى أهمية العودة إلى الموقع الأساسي في مدينة جميرا، حيث كانت الدورة الماضية قد أقيمت في “مركز دبي المالي العالمي” وعن هذه الدورة، قالت: لعل الحديث عن الجانب الاقتصادي في هذا الحدث يعتبر أولوية هنا، فهناك ازدياد ملحوظ في عدد المشاركات من قبل صالات العرض، وهذا يترجم على أرض الواقع على شكل حراك اقتصادي ينعكس على مختلف القطاعات السياحية والخدمية، وهذا ينسجم مع خطة تطوير الاقتصاد الإبداعي والثقافي التي تنتهجها الإمارات في الفترة الراهنة، ولا ننسى امتداد الحراك الفني في مختلف أنحاء الإمارات تزامنًا مع “آرت دبي” حيث تنشط المعارض والفعاليات والبرامج الفنية المكثفة في مختلف المؤسسات ومراكز الفنون،
وجدير بالذكر أنه تم تنظيم معرض «آرت دبي» بالشراكة مع مقتنيات أ.ر.م. القابضة الفنية، بدعم الراعي الرئيسي مجموعة إدارة الثروة السويسرية يوليوس باير، والشريك الاستراتيجي هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة)، والشريك الرئيسي لقسم «آرت دبي ديجيتال» بايبت Bybit.
وقفة تأمل في “صلات تأملية”
يستكشف معرض “صلات تأملية” الموضوعات البحثية المتكررة من خلال أعمال مختارة للفنانين من دفعات مختلفة لبرنامج “منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين” خلال ثماني سنوات، في محاولة استنطاق جماعي لذاكرة الزمان والمكان والوقت وإيقاعات التكرار.
جمع المعرض الفنانين الذين يبدو أنهم تبنوا منظوًرا بحثًيا أثناء هذه المنحة فدخلوا في تجارب استرجاعية مع الأنماط التجريدية والسرد التشاركي وتحديد المكان والنزوح الرقمي والتصنيع. وهو معرض يسعى إلى التأمل في الصلات التي تجمع بين أصول تدريس الفن والإنتاج، والعلاقة القائمة بين صوت الفنانين الحقيقي والأصيل وبين الإجراءات العملياتية والنقد وغيرها من القضايا التي تشكل ممارساتهم الفنية وتبلورها.
وبتكليف من معرض 421، حّضرت مريم دباغ، بالشراكة مع ميس البيك لهذا المعرض، الذي يضم أعمالا لكل من: أسماء خوري، وتالا وريل، ودينا نظمي خورشيد، وسوسن البحر، وشيخة الكتبي، وفاطمة البدور، ومحمد خالد، وملاك الغويل، وذكرت مريم دباغ، قيمة فنية على المعرض، أن الفكرة كانت العمل على جمع أعمال من خريجي منحة سلامة بنت حمدان من سنوات مختلفة، بغاية البحث بين الصلات التي جمعت بين الفنانين وقالت: يطرح المعرض تساؤلا حول هذا العلاقة القائمة على التشابه بين الأعمال المختلفة، والتي تمثلت من خلال مواضيع كالبحث عن صلات ما بين الماضي والحاضر، أو من خلال البحث عن هوية الوطن بالتفاصيل الحسية والشعورية، وبين نظم التعليم التي مر بها الطلاب في منحة سلامة، دون أن تكون الإجابات هي الغاية، فالمعرض لم يفض إلى إجابات أكثر من أنه عمل على جمع هذه الصلات الجميلة التي نلتمسها من خلال ملاحظة الحوار ما بين الأعمال المختارة لفنانين من ثقافات مختلفة، يعملون بأساليب مختلفة أيضا، ويستخدمون أدوات غاية في الاختلاف للتعبير عن أفكارهم، فهناك أعمال صوتية، وفيديو، وأعمال ملموسة، ورسم، وأعمال أخرى استخدمت فيها الوسائط المتعددة.
جدير بالذكر أن المعرض أقيم بتكليف من معرض 421، وبالتعاون مع «منحة سلامة بنت حمدان» للفنانين الناشئين و«آرت دبي»، ليدرس العلاقة ما بين النتاج الفني ونظم التعليم، محاولا رصد العلاقة الفكرية التي تجمع فنانين من ثقافات وأساليب مختلفة، وعرض هذه المحاورة الفنية الفكرية بين الأعمال.