الفنان عبدالرحيم سالم في مرسمه بدبي 2021 صورة
الفنان عبدالرحيم سالم في مرسمه بدبي 2021

عبد الرحيم سالم – سِيرةٌ في فن النحت

الفنان عبد الرحيم سالم المولود في دبي عام 1955 هو أحدُ روّاد الفن المعاصر في الإمارات، وهو من أكثرهم حيويّةً وإنتاجاً، وكان قد تخرّج من جامعة القاهرة حاصلاً على بكالوريوس فنون جميلة تخصص نحت عام 1981، وهو عضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وكان عضوا بمجلس إدارتها لدوراٍت عدة،وأقام العديد منا لمعارض الشخصية، وشارك في معظم المعارض العامة للجمعية منذ العام 1981، كما شارك في معرض (البانوش) الأول 1983 والثاني 1984، وفي المعرض التاسع للفنانين التشكيليين العرب بالكويت 1985، وفي مهرجان الفنون الوطني بالشارقة 1985، وفي معرض (السالب والموجب) بدبي 1983، ومعرض (اليوم الواحد) مع الفنان حسن شريف بمنطقة المريجة بالشارقة 1985، وبينالي الشارقة 2001، وبينالي القاهرة 1988 و1992 و1995،وبينالي بنغلاديش 1995، وفي المجمع الثقافي بأبوظبي 1998، وفي المعرض الخاص بجناح دولة الإمارات بمعرض (إكسبو هانوفر) بألمانيا 2000، وشارك في العديد من المعارض الأخرى وصالات الفنون، وحصل خلال مسيرته الفنية الطويلة على جوائز عدة، منها السعفة الذهبية لمعرض فناني دول مجلس التعاون الخليجي 1992، وجائزة لجنة التحكيم لبينالي القاهرة 1992، والجائزة الفضية في بينالي بنغلاديش السادس لفناني دول آسيا 1993، وجائزة الدانة في معرض الكويت الدولي 1994، وجائزة الدولة التقديرية للفنون التشكيلية 2008، وغيرها كثير، حتى ُسّم َي في الساحة المحلّية (الفنان حاصد الجوائز).

مرسم الفنان عبد الرحيم سالم، دبي، 2021.
مرسم الفنان عبد الرحيم سالم، دبي، 2021.

كان للفنان عبد الرحيم سالم في عالَم النحت تجاربُ كثيرةٌ مختلفة، فأعمالُهُ النحتية تميّزت في مُجملها بالتنويع في اختيار الخامات، وبالتنويع أيضاً في الأساليب، مثل التشكيل بالجبس، وحفر الخشب، والطرْق على ألواح النحاس، ونقش الأوراق المعدنية (Silver paper)، وقولبة الألمونيوم (Casting)، وغير ذلك، والملاحظ أن الكثير من هذه الأعمال يُمثِّلُ؛ إما وجوهاً (Portraits) نُحِتت بأسلوبٍ تعبيريّ، وإما شخوصاً (Figures) صغيرة الأحجام نُحِتت بشيءٍ من التجريد في الأسلوب، وبالإضافة إلى ذلك قام عبد الرحيم بإنتاج بعض التركيبات النحتية، أو منحوتات من التجريد البحت (Pure abstract) كمنحوتة (الزمن والخصوبة)، لكنّ الفنان الإماراتي الراحل حسن شريف قد اعتبرَها تركيباً إنشائياً (Constructive installation)، وذلك لأسبابٍ لا مجالَ الآن للخوض فيها، وعلى كل حال لعله قد اتضح بهذا التنويع في خامات الأعمال وأساليب التكوين سعة نشاط الفنان، ورغبته في التجريب، واستثمار مختلف الخامات، واختبار نسيج ومَلمَس العمل (Texture)، والاشتغال على مُستويي النحت كليهما؛ ذي الأبعاد الثلاثة، وذي البُعديْن الذي يُسمّى النحت البارز أو النافِر (Relief)، واستحضار روح التعبير والتجريد معاً في الوقتِ نفسِه، أو المُراوَحة بينهما.

إن العلاقة بين الحجم (Size) – وما قد يكون فيه من تكتلات (Conglomerates) – والفراغ (Space) هي الأساس في تقويم وقياس مدى تأثير الشكل النحتيّ، ومع ذلك نجد لتأثيرات الضوء أحياناً قيمةً إضافيةً في أعمال عبد الرحيم سالم النحتية، إذ لاحظتُ في بعض منحوتاته أنه شكَّلَها بطريقةٍ تسمح بجلب مزايا الضوء وإيحاءاته، وذلك في محاولةٍ لتوليد دَلالاتٍ رؤيوية من الظِّلال والمواضع المُضيئة على سطح المنحوتة، وذلك باستعمال أسلوبٍ ذي طبيعةٍ تعبيريّة في تصميم التكوين وتشكيل الحجم،

وهذا – فيما أرى – اقترابٌ من مذهب النحات الفرنسي أوغست رودان (Auguste Rodin) في نظرته إلى مسألة الضوء في النحت، وهو اقترابٌ واستفادةٌ من مزايا الضوء والظل في الرسم كذلك، أي في الأسلوب الانطباعيّ، وقد يتضح ذلك أكثر في النحت التعبيريّ (Expressionism sculpture)، لكنّ التعبيرية مع أهميّتها وحيويّتها نادرةٌ في النحت الإماراتي، وإن كانت منتشرة في فن الرسم، كما في لوحات الفنانيْن محمد المزروعي ومحمود جميل الرمحي اللذيْن لَزِما هذا الأسلوب مدةً طويلة، وكذلك في كثيرٍ من لوحات الفنانتيْن فاطمة لوتاه وسلمى المرّي، وبعض لوحات الفنانيْن عبيد سرور، وعبد الرحمن زينل، ومع ذلك كله فمن المنحوتات التعبيرية الإماراتية النادرة عملٌ لعبد الرحيم سالم مُنتَجٌ من الجبس المُلوَّن بعنوان (انفجار وَجه / Explosion of a Face)، حجم: 36×25×29 سم، إنتاج 1978، فهذا العمل يُمثلُ وجهاً إنسانياً (Portrait) في حالةٍ عاطفيةٍ مُتفَجِّرةٍ بين الظل والنور، وفيه تحويرٌ لعضلات وأنسجة الوجه نحو الأسفل، كأنه وجهٌ يذوب بعد الانفجار.

لكنّ هذا لم يكن أسلوباً أساسياً لعبد الرحيم سالم في بقية منحوتاته، فالتعبيريّة المحضة ستختفي تدريجياً في منحوتاتهِ لتصِلَ إلى تعبيرٍ مُوجَز، أو إيحاءٍ مُجمَل، وذلك في عمله النحتيّ (الراقصات / Dancers)، وهو مُنفَّذٌ بمادةِ الخشب، بحجم: 61×19.5×19.6 سم، إنتاج 1982، كما ستصِل منحوتاتُهُ إلى شِبهِ تجريد مع منحوتتهِ (امرأة جالسة / Seated Woman)، من الألمونيوم والرخام، حجم: 36×17×17 سم، إنتاج 2001، وفي هذا العمل يتصاعد تأثيرُ الحجم في الفراغ من الأسفل إلى الأعلى، فالفراغ في هذا العمل يضغط على وسط المنحوتة من جانبيْن، أي على وسط شخص المرأة، فالفراغ أقوى في هذا الموضع، كما أن الحجم أو شكل العمل يكون أقوى في الأعلى، حيث تخترقُ أطرافُ المنحوتة – أي الرأس والذراعان – الفراغ في الأعلى في دلالةٍ على الرغبة في الانعتاق ومُواجهة المُطلَق الذي يُمثلهُ هنا الفراغ نفسُه، وإجمالاً أرى أن منحوتات الفنان عبد الرحيم سالم تدرّجت في دلالة الشكل من التعبيرية إلى شِبه التجريد، وإلى التجريد البحت أيضاً في حالاتٍ نادرة، ولكن يظل الجمعُ بين التعبير مع شيءٍ من التجريد هو السِمة الأبرز لديه في عموم أعماله النحتية، وسيظهر هذا الأسلوب بشكلٍ أكثرَ وضوحاً في أعمال النحت البارز.

في النحت البارز يبدو عبد الرحيم سالم نحّاتاً أكثر بالنسبةِ لي، حيث اهتمّ كثيراً بملمَس العمل (Texture) الذي يعكسُ النسيج، أي نسيجَ الخامة ونسيجَ اشتغالهِ على العمل أيضاً، وأقصدُ بذلك آثارَ الحفر أو الطرق ونحو ذلك، وهو قيمةٌ خاصةٌ من قِيَم النحت التي لم تتوفر للوحة في ماضيها البعيد، ونرى ذلك واضحاً في نحته البارز الكبير المنفذ بالطرْق على النحاس (انتظار امرأة / Waiting for a Woman)، حجم: 183×92 سم، إنتاج 1986، والذي يُمثل شخصاً متوشّحاً، وقابضاً بإحدى يديه على الأخرى وهو في حالة انتظار، فهذا العمل – عندي – من أروع الأعمال النحتية البارزة للفنان عبد الرحيم سالم، إنه عملٌ ينطق بدلالاتٍ متعددة، ويُنبيءُ عن مقدرةٍ فذةٍ للفنان على توظيف الشخص ضمن وحدةٍ جماليةٍ تعتمد على تكرار آثار الطرق، وتكرار خطوط والتواءات الجسد، والتواءات الوشاح الذي يلتف به، كما أن المادة المختارة لتنفيذ العمل – وهي النحاس – قد أضفت على العمل رهبةً غامضة، ومسيطرة،

(انتظار امرأة)
(انتظار امرأة)، حجم: 183×92 سم، إنتاج 1986.

وقد أنتج عبد الرحيم سالم أعمالاً عدةً بهذا الأسلوب، لكنها تنوّعت في الأحجام، كما أن أحدَها كان بخامةٍ مختلفة هي الجبس، وأرى أن لكلٍّ منها إيحاءَهُ الفريد الذي لا يوجد في أعمال النحت الإماراتية الأخرى، وتجربة عبد الرحيم سالم في النحت البارز سوف لن تقتصر على الأعمال متوسطة الحجم أو الكبيرة، بل ستتعدّى ذلك إلى بعض الأعمال الصغيرة اللطيفة، بما يُذكّرني بمقولة النحّات السويسريّ ألبيرتو جياكوميتي: “كلما كان النحتُ أصغرَ؛ بدا نحتاً أكثرَ بالنسبةِ لي”.

النحت البارز

في العام 1987 أنتج عبد الرحيم سالم مجموعة من الأعمال صغيرة الحجم التي يمكن أن تُعَدّ من النحت البارز، فقد أنتجها بواسطة النقش على الورق المعدنيّ (Silver paper)، وعرضَها ضمن معرضٍ شخصيٍّ في العام نفسه بصالة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ولم أتمكن من حضور المعرض، لكنني رأيت بعض هذه الأعمال في عام 1988 معلقة على جدار صالة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وأُعجبتُ بها كثيراً، وكانت مشاهدتها تجربة حميمة بالنسبة لي، إذ ذكرتني بأيام الدراسة في المرحلة الابتدائية حين كنا نتعلمُ النقشَ على الورق المعدنيّ في حصة التربية الفنية، وكنت أظنه مقتصراً على الأطفال في المدارس، ولهذا أعجبت بتلك الأعمال الصغيرة التي أنتجها عبد الرحيم، وتمنيتُ أن يستمرّ في إنتاج وتطوير مثل تلك الأعمال المتفرّدة بطبيعتها في مجال الفنون المَرئية في الإمارات، إذ لم يكن في الساحة فنانٌ إماراتيٌّ آخَرُ محترِف يعمل بالنقش على الورق المعدنيّ، وكان تفرّد الفنان عبد الرحيم سالم بهذا له قيمتهُ الفنية الكبيرة من وجهةِ نظري.

كان التكوين في موضوعات تلك الأعمال الصغيرة مَشوباً بالعاطفةِ والإيحاءِ بالمشاعر، فقد كانت الشخوص أو عناصر الموضوع تبرز من سطح الورق المعدنيّ – وهو هنا خلفية العمل – في أحجامٍ صغيرةٍ مترابطةٍ بالتجاور، وشِبه الاتصال، في دلالةٍ على علاقةٍ ما، كما كانت بعض الخطوط القلِقة تُحيطُ بتلك الشخوص والعناصر، وهذه الخطوط جاءت إما لتحديد الأشكال في التكوين، وإما لخلقِ تعبيراتٍ محدودة، غامضة، وأحياناً مُوحِيَة حولَ عناصر التكوين لتُضفي عليها شيئاً من الحيوية، وكان اللون عاملاً رئيساً في الإيحاء أيضاً، فكان لكل صفحةٍ من الأوراق المعدنيّة التي اختارها عبد الرحيم سالم لهذه الأعمال لونٌ خاص، كالأخضر والأزرق، ونحو ذلك، وكان الفنان – بعد نقشِهِ عناصرَ التكوين الفنيّ لإبرازها على سطح الورق المعدنيّ – يقوم بتخفيف درجة لون مواضع البروز باستخدام سائل مُخفِّف (Thinner) يُسبِّبُ انحسارَ اللون المُضاف مَصنعياً، وذلك بالتدريج من العناصر البارزة إلى حدود الخلفية الغائرة، حيث يتوقف التخفيف ليُظهِرَ العناصر البارزة لامعةً بلونٍ شِبه فضيّ بعد انحسار اللون الأصليّ، وأما الخلفية التي بقيَ اللونُ الأصليّ فيها فَبَدَت غامقةً بالمُقارَنة مع مواضع البروز، وبَدَت غامضةً في بُعدِها كذلك، وهو ما خلَقَ نوعاً مثيراً من الإيحاء باقتراب الموضوع وابتعاد الخلفية، وفي تفاصيل الموضوع نفسِهِ أيضاً أرى أن الوضوحَ والغموضَ يتجاوران من خلال الجمع بين التعبير والتجريد في الشخوص وغيرها، وبشكلٍ عام تميّزت هذه الأعمال الصغيرة في رأيي الخاص باللطافةِ والأناقة الساحرة.

إن ما تقدم ذكرهُ قد يدل على حضور التعبيرية في هذه الأعمال، ولا ريبَ في أنها كانت تعبيريّةً على نحوٍ ما كما رأيتها قبل أربعةٍ وثلاثين عاماً،

لكن حضور التجريد فيها كان واضحاً أيضاً، إذ لم تكن الشخوص في العمل تقوم على التمثيل الواضح (Clear representation)، بل كانت ضبابية الشكل في الغالب كما ذكرت، وكان الفنان حسن شريف يصفُ الأسلوبَ الفنيّ في أعمال عبد الرحيم هذه بأنها شِبه تجريد كما سمعته بنفسي، وهذا صحيح، لكن هذا يعني أنها كانت شبهَ تعبيريةٍ أيضاً، وهذا ما دفعني مراراً إلى أن أصفها بأنها كانت إحدى التجارب المُبشِّرة بحضور التجريدية التعبيرية في مستقبل الإنتاج الفنيّ بالنسبة لعبد الرحيم سالم، أو أنها كانت تدفعه إلى اتخاذ التجريد التعبيريّ أسلوباً، وهذا ما دفعني مراراً إلى أن أصفها بأنها كانت إحدى التجارب المُبشِّرة بحضور التجريدية التعبيرية في مستقبل الإنتاج الفنيّ بالنسبة لعبد الرحيم سالم، أو أنها كانت تدفعه إلى اتخاذ التجريد التعبيريّ أسلوباً،

عبد الرحيم سالم صورة 2 صورة
عبد الرحيم سالم صورة 1 صورة

وهذا ما حصل في الواقع، فقد شهِدتْ نهاية الثمانينيات قيامَ عبد الرحيم سالم بإنتاج عددٍ من اللوحات التي اقتربَ فيها كثيراً من أسلوب المدرسة التجريديّة التعبيريّة، تلك المدرسة التي وصفَها بعضُ النقّاد في الغرب بأنها “نهايةُ المُمكِنِ في الفن”، ولعلّ ذلك بسبب اشتمالها على التعبير والتجريد معاً، أي التشخيص وعدم التشخيص في العمل الواحد، وهذا ما يُتيحُ حريّةً كبيرةً للفنان في التعامل مع الموضوع والتكوين وبقية عناصر العمل، ولعلّ هذا هو ما كان يتطلع إليه عبد الرحيم سالم في أثناء بحثِهِ وتجريبهِ في الأساليب الفنية، ومن ثَمّ انطلقَ في إنتاج الكثير من اللوحات في هذا السياق، الأمر الذي أثّرَ سلباً في إنتاجهِ النحتيّ الذي قلّ أو توقفَ لأسبابٍ كثيرةٍ قد لا يكفي هذا المقالُ الموجَزُ لاستعراضِها.

الكتاب

باحث في المعرفة، فنان تشكيلي، ناقد فني، شاعر وعازف، مدير إدارة التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث.

مجلة التشكيل

he first issue of “Al Tashkeel” Magazine was published back in 1984, four years after the formation of the Emirates Fine Arts Society. The fine arts movement was witnessing growth and gaining traction on all other artistic levels.